قصير الخطو يحسب من رآني * ولست مقيدا أني بقيد .. وقال كثير وكنت كذى رجلين رجل صحيحة * ورجل رمى فيها الزمان فشلت .. وقال آخر فاستأثر الدهر الغداة بهم * والدهر يرميني وما ارمي يا دهر قد أكثرت فجعتنا * بسراتنا ووقرت في العظم قوله - وقرت في العظم - أراد به اتخذت فيه وقرا أو وقيرة والوقر هي الحفيرة العظيمة تكون في الصفا يستنقع فيها ماء المطر والوقب أيضا كذلك والوقيرة أيضا الحفيرة إلا أنها دون الأوليين في الكبر وكل هؤلاء الذين روينا أشعارهم نسبوا أفعال الله التي لا يشاركه فيها غيره إلى الدهر فحسن وجه التأويل الذي ذكرناه [مسألة].. إعلم ان المنافع التي عرض الله تعالى الاحياء لها ثلاث منفعة تفضل ومنفعة عوض ومنفعة ثواب.. فاما المنفعة على سبيل التفضل فهي الواقعة ابتداء من غير سبب استحقاق ولفاعلها أن يفعلها وله أن لا يفعلها.. وأما منفعة العوض فهي المنفعة المستحقة من غير مقارنة شئ من التعظيم والتبجيل لها.. وأما منفعة الثواب فهي المستحقة على وجه التعظيم والتبجيل.. فمنفعة العوض تبين من التفضل بالاستحقاق والثواب يبين من العوض بالتعظيم والتبجيل المصاحبين له فكأن التفضل أصل لسائر المنافع من حيث يجب تقدمه وتأخر ما عداه لأنه لا سبيل للمنتفع أن ينتفع بشئ دون أن يكون حياله شهوة والابتداء بخلق الحياة والشهوة تفضل فقد صح أنه لا سبيل إلى النفع بمنفعة العوض والثواب إلا بعد تقدم التفضل.. فاما المنفعة بالثواب فهي الأصل للمنفعة بالعوض لان الآلام وما جرى مجرى الآلام مما يستحق به العوض متى لم يكن فيها اعتبار يفضى إلى الثواب ويستحق به لم يحسن فعلها وجرى عندنا مجرى العبث ولهذا نقول إن الله تبارك وتعالى لو لم يكلف أحدا من المكلفين ما كان يحسن منه أن يبتدئ بالآلام وان عوض عليها والاحياء على ضروب فمنهم من عرض للمنافع الثلاث.. ومنهم
(٣٦)