فتتفق الآيتان على هذا التأويل ولا يختلف حكمهما وتكون الآية الأولى تتضمن ذكر الثعبان اخبارا عن غاية حال العصا وتكون الآية الثانية تتضمن ذكر الحال التي ولى موسى فيها هاربا وهي حال انقلاب العصا إلى خلقة الجان وإن كانت بعد تلك الحال انتهت إلى صورة الثعبان.. فان قيل على هذا الوجه كيف يصح ما ذكرتموه مع قوله تعالى فإذا هي ثعبان مبين وهذا يقتضي أنها صارت ثعبانا بعد الالقاء بلا فصل.. قلنا ليس تفيد الآية ما ظن وإنما فائدة قوله تعالى فإذا هي الاخبار عن قرب الحال التي صارت فيها بتلك الصفة وانه لم يطل الزمان في مصيرها كذلك ويجري هذا مجرى قوله تعالى (أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) مع تباعد ما بين كونه نطفة وكونه خصيما مبينا وقولهم ركب فلان من منزله فإذا هو في ضيعته وسقط من أعلا الحائط فإذا هو في الأرض ونحن نعلم أن بين خروجه من منزله وبلوغه ضيعته زمانا وانه لم يصل إليها الا على تدريج وكذلك الهابط من الحائط وإنما فائدة الكلام الاخبار عن تقارب الزمان وانه لم يطل ولم يمتد [آية أخرى].. قال الله تعالى * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) *.. وقد ظن (1) بعض من لا بصيرة له ولا فطنة عنده ان
(٢٠)