صاحب هذا الجواب بحديث عبد الرحمن بن السائب قال أتيت سعدا وقد كف بصره فسلمت عليه فقال من أنت فأخبرته فقال مرحبا با بن أخي بلغني انك حسن الصوت بالقرآن وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا فقوله فابكوا أو تباكوا دليل على أن التغني هو والترجيع والتحنين.. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يأذن الله لشئ من أهل الأرض الا لأصوات المؤذنين والصوت الحسن في القرآن ومعنى قوله يأذن يستمع له يقال أذنت للشئ آذن أذنا إذا استمعت له.. قال الشاعر صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا .. وقال عدي بن زيد العبادي أيها القلب تعلل بددن * إن همي في سماع وأذن والاذن هو السماع وإنما حسن تكرير المعنى اختلاف اللفظ وللعرب في هذا مذهب معروف ومثله * وهند أتى من دونها النأي والبعد * فأما الددن فهو اللهو واللعب وفيه لغات ثلاث دد على مثال دم وددا على مثال فتى وددن على مثال حزن.. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ما أنا من دد ولا الدد منيه * فان قيل كيف يحمل لا يأذن الله لشئ كاذنه لكذا وكذا على معنى الاستماع وهو تعالى سامع لكل شئ مسموع فأي معنى للاختصاص * قلنا ليس المراد ههنا بالاستماع مجرد الادراك وإنما المراد به القبول فكأنه عليه الصلاة والسلام قال إن الله لا يتقبل أو يثيب على شئ من أهل الأرض كتقبله وثوابه على كذا وكذا ومن هذا قولهم هذا كلام لا أسمعه وخاطبت فلانا بكلام فلم يسمعه وإنما يريد نفي القبول لا الادراك والبيت الذي أنشدناه يشهد بذلك لأنه قال * وان ذكرت بسوء عندهم أذنوا * ونحن نعلم أنهم يستمعون الذكر بالخير والشر معا من حيث الادراك فوجه الاختصاص ما ذكرناه وقد ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري وجها ثالثا في الخبر قال أراد عليه الصلاة والسلام من لم يتلذذ بالقرآن ويستحله ويستعذب تلاوته كاستحلاء أصحاب الطرب للغناء والتذاذهم به
(٢٥)