قوله تعالى (اعملوا ما شئتم) وقوله عز وجل (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وهذا نهاية التغليظ والزجر والاخبار عن كبر الذنب واطراح الحياء ويجري مجرى قولهم بعد أن فعل فلان كذا فليفعل ما يشاء وبعد أن أقدم على كذا فليقدم على ما شاء والمعنى المبالغة في التعظيم لما ارتكبه وقبح ما اقترفه.. والوجه الثالث أن يكون معنى الخبر إذا لم تفعل ما تستحيي منه فافعل ما شئت فكأن المعنى إذا لم تفعل قبيحا فافعل ما شئت لأنه لأضرب من ضروب القبائح الا والحياء يصاحبه ومن شأن فاعله إذا قرع به أن يستحي منه فمتى جانب الانسان ما يستحي منه في أفعاله فقد جانب سائر القبائح وما عدا القبيح من الافعال فهو حسن ويجري هذا مجرى خبر عن نبينا عليه الصلاة السلام فيما أظنه أن رجلا جاءه فاسترشده إلي خصلة يكون فيها جماع الخير فقال عليه الصلاة والسلام أشترط عليك أن لا تكذبني ولن أسألك ما وراء ذلك فهان على الرجل ترك الكذب خاصة والمعاهدة على اجتنابه دون سائر القبائح وشرط على نفسه ذلك فلما انصرف جعل كل ما هم بقبيح يفكر ويقول أرأيت لو سألني عنه النبي ما كنت قائلا له لأنني ان صدقته افتضحت وان كذبته نقضت العهد بيني وبينه فكان ذلك سببا لاجتنابه لسائر القبائح وهكذا معني الخبر الذي تأولناه لان في اجتناب ما يستحيي منه اجتنابا لسائر القبائح [تأويل خبر آخر].. روى محمد بن الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال (1) كان قد كثر على مارية القبطية أم إبراهيم في ابن عم لها قبطي كان يزورها ويختلف إليها فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام خذ هذا السيف وانطلق به فان وجدته عندها فاقتله قلت يا رسول الله أكون في أمرك كالسكة المحماة أمضى لما أمرتني أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال النبي عليه الصلاة والسلام بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما أقبلت نحوه علم اني أريده فأتى نخلة فرقي إليها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا انه أجب أمسح
(٥٤)