بين فعلها وفعل ما تحتاج إليه فيستمر كون الحي حيا فأما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلو السن وتناقض بنية الانسان فليس مما لابد منه وإنما جرى الله تعالى العادة بان يفعل ذلك عند تطاول الزمان ولا إيجاب هناك ولا تأثير للزمان على وجه من الوجوه وهو تعالى قادر على أن يفعل ما أجرى العادة بفعله إذا ثبتت هذه الجملة ثبت ان تطاول العمر ممكن غير مستحيل وإنما اتي من أحال ذلك من حيث اعتقد ان استمرار كون الحي حيا موجب على طبيعة وقوة لهما مبلغ من المادة متى انتهت إليه انقطعتا واستحال أن تدوما ولو أضافوا ذلك إلي فاعل مختار متصرف لخرج عندهم من باب الإحالة .. فأما الكلام في دخول ذلك في العادة وخروجه عنها فلا شك في أن العادة قد جرت في الأعمار بأقدار متفاوتة تعد الزيادة عليها خارقة للعادة إلا أنه قد ثبت ان العادة قد تختلف في الأوقات وفي الأماكن أيضا ويجب أن يراعى في العادة اضافتها إلى من هي عادة له في المكان والوقت وليس يمتنع أن يقل ما كانت العادة جارية به على تدريج حتى يصير حدوثه خارقا للعادة بغير خلاف وأن يكثر الخارق للعادة حتى يصير حدوثه غير خارق لها على خلاف فيه وإذا صح ذلك لم يمتنع أن تكون العادات في الزمان الغابر كانت جارية بتطاول الأعمار وامتدادها ثم تناقص ذلك على تدريج ثم صارت عادتنا الآن جارية بخلافه وصار ما بلغ مبلغ تلك الأعمار خارقا للعادة وهذه جملة فيما أردناه كافيه (باب في الجوابات الحاضرة المستحسنة التي تسميها قوم المسكتة) اعلم أن أجوبة المحاورة والمناظرة إنما تستحسن وتؤثر إذا جمعت مع الصواب سرعة الحضور فكم من جواب أتى بعد لأي وبعد تقاعس لم يكن له في النفوس موقع ولا حل من القلوب محل الحاضر السريع وإن كان المتثاقل أعرق في نسب الإصابة وآخذ بأطراف الحجة ولهذا قيل أحسن الناس جوابا وأحضرهم قريش ثم العرب وان الموالي تأتي أجوبتها بعد فكرة وروية.. وقد مدح الجواب الحاضر بكل لسان فقال صحار العبدي لمعاوية بن أبي سفيان وقد سأله عن البلاغة فقال أن يصيب فلا يخطئ ويسرع
(١٩٧)