تجاوره الرحمة التي هي النعمة في الأكثر وتوجد عنده فحل محل وصف الشهوة بأنها محبة لما كانت توجد عندها المحبة في الأكثر وليست الرحمة مختصة بالعفو بل تستعمل في ضروب النعم وصنوف الاحسان ألا ترى انا نصف المنعم علي غيره المحسن إليه بالرحمة وان لم يسقط عنه ضررا ولم يتجاوز له عن زلة وإنما سمى العفو عن الضرر وما جرى مجراه رحمة من حيث كان نعمة لان النعمة باسقاط الضرر تجري مجرى النعمة بايصال النفع فقد بان بهذه الجملة معنى الآية وبطلان ما ضمنه السائل سؤاله.. فان قيل إذا كانت الرحمة هي النعمة وعندكم أن نعم الله شاملة للخلق أجمعين فأي معنى لاستثناء من رحم من جملة المختلفين إن كانت النعمة هي الرحمة وكيف يصح اختصاصها بقوم دون قوم وهي عندكم شاملة عامة.. قلنا لا شبهة في أن نعم الله شاملة للخلق أجمعين غير أن في نعمه أيضا ما يختص بها بعض العباد إما لاستحقاق أو لسبب يقتضي الاختصاص فإذا حملنا قوله تعالى الا من رحم ربك على النعمة بالثواب فالاختصاص ظاهر لان النعمة به لا تكون الا مستحقة فمن استحق الثواب بأعماله وصل إلى هذه النعمة ومن لم يستحقه لم يصل إليها وان حملنا الرحمة في الآية على النعمة بالتوفيق للايمان واللطف الذي وقع بعده فعل الايمان كانت هذه النعمة أيضا مختصة لأنه تعالى إنما لم ينعم على سائر المكلفين بها من حيث لم يكن في معلومه تعالى أن لهم توفيقا وان في الافعال ما يختارون عنده الايمان فاختصاص هذه النعم ببعض العباد لا يمنع من شمول نعم أخر كما أن شمول تلك النعم لا يمنع من اختصاص هذه [تأويل خبر].. روى أبو مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت وفي هذه الخبر وجوه من التأويل ثلاثة.. أحدها أن يكون معناه إذا علمت أن العمل لله عز وجل وأنت لاتستحيي من الناظرين إليك ولا تتخوفهم أن ينسبوك فيه إلى الرياء صنعت ما شئت لان فكرك فيهم ومراقبتك لهم يقطعانك عن استيفاء شروط عملك ويمنعانك من القيام بحدود حقوقه وإذا اطرحت الفكر توفرت على استيفاء عملك.. والوجه الثاني ان من لم يستحي من المعاير والمخازي والفضائح صنع ما شاء والظاهر ظاهر أمر والمعنى معنى تغليظ وانكار مثل
(٥٣)