(مجلس آخر 4) [تأويل آية].. ان قال قائل ما تأويل قوله تعالى (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) فظاهر هذا الكلام يدل على أن الايمان إنما كان لهم فعله باذنه وأمره وليس هذا مذهبكم وان حمل الاذن ههنا على الإرادة اقتضى أن من لم يقع منه الايمان لم يرده الله منه وهذا أيضا بخلاف قولكم ثم جعل الرجس الذي هو العذاب على الذين لا يعقلون ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلفا فكيف يستحق العذاب وهو بالضد من الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكثر أهل الجنة البله.. الجواب يقال له في قوله تعالى الا بإذن الله وجوه.. منها أن يكون الاذن الامر ويكون معنى الكلام ان الايمان لا يقع إلا بعد ان يأذن الله فيه ويأمر به ولا يكون معناه ما ظنه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله الا باذنه ويجري هذا مجرى قوله تعالى وما كان لنفس أن تموت الا بإذن الله ومعلوم ان معنى قوله ليس لها في هذه الآية هو ما ذكرناه وإن كان الأشبه في هذه الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالاذن العلم.. ومنها أن يكون الاذن هو التوفيق والتيسير والتسهيل ولا شبهة في أن الله يوفق لفعل الايمان ويلطف فيه ويسهل السبيل إليه.. ومنها أن يكون الاذن العلم من قولهم أذنت لكذا وكذا إذا سمعته وعلمته وأذنت فلانا بكذا إذا أعلمته فتكون فائدة الآية الاخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات فإنه ممن لا يخفي عليه الخفيات.. وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الاذن بكسر الألف وتسكين الذال عبارة عن العلم وزعم أن الذي هو العلم الاذن بالتحريك واستشهد بقول الشاعر * إن همي في سماع وأذن * وليس الامر على ما توهمه هذا المتوهم لان الاذن هو المصدر والاذن هو اسم الفعل فيجري مجرى الحذر والحذر في أنه مصدر والحذر بالتسكين الاسم على أنه لو لم يكن مسموعا الا الاذن بالتحريك لجاز التسكين مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة.. ومنها أن يكون الاذن العلم ومعناه إعلام الله المكلفين بفضل الايمان وما يدعو
(٣٠)