الله.. وقد ذكر قوم في تأويل هذا الخبر ان المراد به لا تسبوا الدهر فإنه لا فعل له وان الله مصرفه ومدبره فحذف من الكلام ذكر المصرف والمدبر وقال هو الدهر.. وفي هذا الخبر وجه آخر هو أحسن من ذلك الذي ذكرناه وهو أن الملحدين ومن نفي الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله كالمرض والعافية والجدب والخصب والبقاء والفناء إلى الدهر جهلا منهم بالصانع جلت عظمته ويذمون الدهر ويسبونه في كثير من الأحوال من حيث اعتقدوا أنه الفاعل بهم هذه الأفعال فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال لا تسبوا من فعل بكم هذه الأفعال ممن تعتقدون أنه الدهر فان الله تعالى هو الفاعل لها.. وإنما قال إن الله هو الدهر من حيث نسبوا إلى الدهر أفعال الله وقد حكي الله سبحانه عنهم قولهم ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر.. وقال لبيد في قروم سادة من قومه * نظر الدهر إليهم فابتهل أي دعا عليهم.. وقال عمرو بن قمئة كأني وقد جاوزت تسعين حجة * خلعت بها عني عذار لجامي على الراحتين مرة وعلى العصا * أنوء ثلاثا بعدهن قيامي رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى * فكيف بمن يرمي وليس برامي فلو أنها نبل إذا لا تقيتها * ولكنني أرمي بغير سهام إذا ما رآني الناس قالوا ألم تكن * جليدا حديد الطرف غير كهام وأفني وما أفني من الدهر ليلة * ولم يغن ما أفنيت سلك نظام ويهلكني تأميل يوم وليلة * وتأميل عام بعد ذاك وعام .. وقال الأصمعي ذم أعرابي رجلا فقال هو أكثر ذنوبا من الدهر وأنشد الفراء حنتني حانيات الدهر حتى * كأني خاتل أدنو لصيد
(٣٥)