إلى فعله ويكون معنى الآية وما كان لنفس ان تؤمن الا باعلام الله لها بما يبعثها على الايمان وما يدعوها إلي فعله.. فاما ظن السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل لان الاذن لا يحتمل الإرادة في اللغة ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهمه لأنه إذا قال إن الايمان لا يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع وليس في صريح الكلام ولا دلالته شئ من ذلك.. وأما قوله تعالى ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون فلم يعن بذلك الناقصي العقول وإنما أراد الذين لم يعقلوا ولم يعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة الله خالقهم والاعتراف بنبوة رسله والانقياد إلى طاعتهم ووصفهم تعالى بأنهم لا يعقلون تشبيها كما قال تعالى صم بكم عمي وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعمله بالجنون وفقد العقل.. فاما الحديث الذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل إنه عليه السلام لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنقص والجنون وإنما أراد البله عن الشر والقبيح وسماهم بلها عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه لا من حيث فقدوا العلم به ووجه تشبيه من هذه حاله بالابله ظاهر فان الأبله عن الشئ هو الذي لا يعرض له ولا يقصد إليه فإذا كان المتنزه عن الشر معرضا عنه هاجرا لفعله جاز ان يوصف بالبله للفائدة التي ذكرناها ويشهد بصحة هذا التأويل قول الشاعر ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها أراد أنها بلهاء عن الشر والريبة وإن كانت فطنة لغيرهما.. وقال أبو النجم العجلي من كل عجزاء سقوط البرقع بلهاء لم تحفظ ولم تضيع أراد بالبلهاء ما ذكرناه.. فأما قوله - سقوط البرقع - فأراد أنها تبرز وجهها ولا تستره ثقة بحسنه وادلالا بجماله وقوله لم تحفظ أراد ان استقامة طرائقها تغني عن حفظها وانها لعفافها ونزاهتها غير محتاجة إلى مسدد وموقف وقوله - لم تضيع - أراد انها لم تهمل في أغذيتها وتنعيمها وترفيهها فتشقى ومثل قوله سقوط البرقع.. قول الشاعر فلما تواقفنا وسلمت أقبلت * وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا .. ومثله أيضا
(٣١)