(مجلس آخر 14) [تأويل آية] (ليس البر أن تولوا وجوهم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر إلى قوله هم المتقون) سأل سائل فقال كيف ينفي كون تولية الوجوه إلى الجهات من البر وإنما يفعل ذلك في الصلاة وهي بر لا محالة وكيف خبر عن البر بمن والبر كالمصدر ومن اسم محض وعن أي شئ كنى بالهاء في قوله تعالى (وآتى المال على حبه) وما المخصوص بأنها كناية عنه وقد تقدمت أشياء كثيرة وعلى أي شئ ارتفع الموفون وكيف نصب الصابرين وهم معطوفون على الموفين وكيف وحد الكناية في موضع وجمعها في آخر فقال من آمن وآتى المال وأقام الصلاة ثم قال والموفون والصابرين يقال له فيما.. ذكرته أولا جوابان. أحدهما انه أراد تعالى ليس الصلاة هي البر كله ولكنه عدد ما في الآية من ضروب الطاعات وصنوف الواجبات فلا تظنوا أنكم إذا توجهتم إلى الجهات بصلاتكم فقد أحرزتم البر بأسره وحزتموه بكماله بل يبقى عليكم بعد ذلك معظمه وأكثره.. والجواب الثاني أن النصارى لما توجهوا إلى المشرق واليهود إلى بيت المقدس واتخذوا هاتين الجهتين قبلتين واعتقدوا في الصلاة إليها انهما بر وطاعة خلافا على الرسول عليه الصلاة والسلام أكذبهم الله في ذلك وبين أن ذلك ليس من البر إذ كان منسوخا بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم التي تلزم الأسود والأبيض والعربي والعجمي وأن البر هو ما تضمنته الآية.. فأما إخباره بمن ففيه وجوه ثلاثة. أولها أن يكون البر ههنا البار أو ذا البر وجعل أحدهما في مكان الآخر والتقدير ولكن البار من آمن بالله ويجري ذلك مجرى قوله تعالى (أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا) يريد غائرا ومثل قول الشاعر ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت * فإنما هي إقبال وإدبار أراد انها مقبلة مدبرة.. ومثله تظل جيادهم نوحا عليهم * مقلدة أعنتها صفونا أراد نائحة عليهم.. ومثله قول الشاعر
(١٤٣)