هريقى من دموعهم سجاما * ضباع وجاوبي نوحا قياما .. والوجه الثاني أن العرب قد تخبر عن الاسم بالمصدر والفعل وعن المصدر بالاسم فأما إخبارهم عن المصدر بالاسم فقوله تعالى (ولكن البر من آمن بالله) وقول العرب إنما البر الذي يصل الرحم ويفعل كذا وكذا وأما إخبارهم عن الاسم بالمصدر والفعل فمثل قول الشاعر لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى ند فجعل أن تنبت وهو مصدر خبرا عن الفتيان. والوجه الثالث أن يكون المعنى ولكن البر بر من آمن فحذف البر الثاني وأقام الأول مقامه كقوله تعالى (وأشربوا في قلوبهم العجل) أراد حب العجل.. قال الشاعر وكيف تواصل من أصبحت * خلالته كأبي مرحب أراد كخلالة أبي مرحب.. وقال النابغة وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي * على وعل في ذي المطارة عاقل أراد على مخافة وعل وتقول العرب بنو فلان يطؤهم الطريق أي أهل الطريق.. وحكى عن بعضهم أطيب الناس الزبد أي أطيب ما يأكل الناس الزبد وكذلك قولهم حسبت صياحي زيدا أي صياح زيد.. وروى عن ابن عباس في قوله تعالى (ليس على الأعمى حرج) أي ليس على من أكل مع الأعمى حرج وفي قوله تعالى (رابعهم كلبهم) وذكروا أنه كان راعيا تبعهم.. فأما ما كنى عنه بالهاء في قوله تعالى (وآتى المال على حبه ذوي القربى) ففيه وجوه أربعة. أولها أن تكون الهاء راجعة على المال الذي تقدم ذكره ويكون المعنى وآتى المال على حب المال وأضيف الحب إلى المفعول ولم يذكر الفاعل كما يقول القائل اشتريت طعامي كاشتراء طعامك والمعنى كاشترائك طعامك. والوجه الثاني أن تكون الهاء راجعه إلى من آمن بالله فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل ولم يذكر المفعول لظهور المعني ووضوحه. والوجه الثالث أن ترجع الهاء إلى الايتاء الذي دل عليه آتي والمعنى وأعطي المال على حب الاعطاء ويجري ذلك مجرى قول القطامي
(١٤٤)