الجاحظ بالقول بان المعرفة طباع وهي مع ذلك فعل العبد على الحقيقة وكان يقول في سائر الأفعال انها تنسب إلى العباد على أنها وقعت منهم طباعا وإنما وجبت بإرادتهم وليس بجائز أن يبلغ أحد ولا يعرف الله تعالى والكفار عنده بين معاند وبين عارف وقد استغرقه حبه لمذهبه وشغفه به وإلفه وعصبيته فهو لا يشعر بما عنده من المعرفة بخلافه (1).. وكان الجاحظ ملازما لمحمد بن عبد الملك الزيات وكان منحرفا عن أحمد بن أبي دؤاد للعداوة التي كانت بين أحمد ومحمد فلما قبض على محمد الزيات هرب الجاحظ فقيل له لم هربت فقال خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور يريد ما صنع بمحمد بن عبد الملك من إدخاله تنورا فيه مسامير كان هو صنعه ليعذب الناس فيه فعذب به حتى مات.. وروى أنه أتى بالجاحظ بعد موت ابن الزيات وفي عنقه سلسلة وهو مقيد في قميص سمل فلما نظر إليه ابن أبي دؤاد قال والله ما علمتك إلا متناسيا للنعمة كفورا للصنيعة معدنا للمساوي وما قصرت باستصلاحي لك ولكن الأيام لا تصلح منك لفساد طويتك ورداءة دخلتك وسوء اختيارك وغالب طبعك فقال الجاحظ خفض عليك أيدك الله فوالله لان يكون لك الأمر على خير من أن يكون لي عليك ولأن أسئ وتحسن أحسن في الأحدوثة عنك من أن أحسن وتسئ ولأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل بك من الانتقام مني فقال ابن أبي دؤاد قبحك الله فوالله ما علمتك إلا كثيرا تزويق اللسان وقد جعلت بيانك امام قلبك ثم اضطغنت فيه النفاق والكفر يا غلام صر به إلى الحمام وأمط عنه الأذى فأخذت عنه السلسلة والقيد وادخل الحمام وحمل إليه تخت من ثياب وطويلة وخف فلبس ذلك ثم أتاه فصدره في مجلسه ثم أقبل عليه وقال هات الآن حديثك يا أبا عثمان.. وقال المبرد سمعت الجاحظ يقول احذر من تأمن فإنك حذر ممن تخاف.. وقال الجاحظ قلت لأبي يعقوب
(١٣٩)