علما بأنه دونه فيما وصفناه، لم يكن للاستعانة في تدبيره برأيه معنى لأن الكامل لا يفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال، كما لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم والآية بينة يدل متضمنها على ذلك ألا ترى إلى قوله تعالى:
* (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) * فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم، ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستعانة برأيهم لقال له: فإذا أشاروا عليك فاعمل وإذا اجتمع رأيهم على شئ فامضه، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص، به فلقا جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته.
فأما وجه دعائهم إلى المشورة عليه (ص) فإن الله أمره أن يتألفهم بمشورتهم ويعلمهم بما يصنعونه عند عزماتهم ليتأدبوا بآداب الله عز وجل فاستشارهم لذلك لا للحاجة إلى آرائهم، على أن هاهنا وجها آخر بينا وهو أن الله سبحانه أعلمه أن في أمته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويسر خلافه ويبطن مقته ويسعى في هدم أمره ويناقضه في دينه ولم يعرفه بأعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم، فقال عز اسمه: * (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) * (1) وقال جل اسمه: * (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) * (2) وقال تبارك اسمه: * (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا منهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * (3) وقال: * (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون) * (4) وقال عز من قائل. * (وإذا رأيتهم