فبأي شئ يدفع هذا؟
فقال له الشيخ أدام الله عزه: سبيل هذا القول أن يعكس وهذه القضية أن تقلب وذلك أن النبي (ص) لو علم أنهما لو كانا في جملة المجاهدين بأنفسهما يبارزان الأقران ويقتلان الأبطال ويحصل لهما جهاد يستحقان به الثواب، لما حال بينهما وبين هذه المنزلة التي هي أجل وأشرف وأعلى وأسنى من القعود على كل حال بنص الكتاب حيث يقول الله سبحانه: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * (1).
فلما رأينا الرسول (ص) قد منعهما هذه الفضيلة وأجلسهما معه، علمنا أن ذلك لعلمه بأنهما لو تعرضا للقتال أو عرضا له لأفسدا، إما بأن ينهزما، أو يوليا الدبر كما صنعا في يوم أحد وخيبر وحنين، فكان يكون في ذلك عظيم الضرر على المسلمين ولا يؤمن وقوع الوهن فيهم بهزيمة شيخين من جملتهم، أو كانا لفرط ما يلحقهما من الخوف والجزع يصيران إلى أهل الشرك مستأمنين أو غير ذلك من الفساد الذي يعلمه الله تعالى، ولعله لطف للأمة بأن أمر نبيه (ص) بحبسهما عن القتال، فأما ما توهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما، فقد ثبت أنه كان كاملا وأنهما كانا ناقصين عن كماله، وكان معصوما وكانا غي معصومين، وكان مؤيدا بالملائكة وكانا غير مؤيدين، وكان يوحى إليه وينزل القرآن عليه ولم يكونا كذلك، فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما لولا عمى القلوب وضعف الرأي وقلة الدين.