وليس كذلك قوله تعالى: * (فأنزل الله سكينته عليه) * لأن الكلام يتم فيها وينتظم في وقوع الكناية عن النبي (ص) خاصة دون الكائن معه في الغار، ولا يفتقر إلى رد الهاء عليهما معا مع كونها في الحقيقة كناية عن واحد في الذكر وظاهر اللسان، ولو أراد بها الجميع لحصل الالتباس والتعمية والألغاز لأنه كما يكون التلبيس واقعا عند دليل الكلام على انتظامها للجميع متى أريد بها الواحدة مع عدم الفائدة لو لم يرجع على الجميع، كذلك يكون التلبيس حاصلا إذا أريد بها الجميع عند عدم الدليل الموجب لذلك وكمال الفائدة مع الاقتصار على الواحد في ا لمراد.
ألا ترى أن قائلا لو قال: لقيت زيدا ومعه عمرو فخاطبت زيدا وناظرته، وأراد بذلك مناظرة الجميع لكان ملغزا معميا لأنه لم يكن في كلامه ما يفتقر إلى عموم الكناية عنهما، ولو جعل هذا نظيرا للآيات التي تقدمت لكان جاهلا بفرق ما بينها وبينه مما شرحناه. فيعلم أنه لا نسبة بين الأمرين.
وشئ آخر وهو أن الله سبحانه وتعالى كنى بالهاء التالية للهاء التي في السكينة عن النبي (ص) خاصة فلم يجز أن يكون أراد بالأولة غر النبي (ص) خاصة لأنه لا يعقل في لسان القوم كناية عن مذكورين بلفظ الواحد وكناية تردفها على النسق عن واحد من الاثنين. وليس لذلك نظير في القرآن ولا في الأشعار ولا في شئ من الكلام فلما كانت الهاء في قوله تعالى: * (وأيده بجنود لم تروها) * كناية عن النبي (ص) بالاتفاق، ثبت أن التي قبلها من قوله: * (فأنزل الله سكينته عليه) * كناية عنه (ص) خاصة وبأن مفارقة ذلك لجميع ما تقدم ذكره من الآي والشعر الذي استشهدوا به والله الموفق للصواب بمنه.