ولذلك نزلت السكينة عليه فيهما وحملتم أنفسكم على هذه الدعوى.
قلنا لكم: وهذه كانت قصته (ص) في الغار فبم تدفعون ذلك؟ فإن قلتم:
إنه (ص) قد كان محتاجا إلى السكينة في كل حال لينتفي عنه الخوف والجزع ولا يتعلقان به في شئ من الأحوال، نقضتم ما سلف لكم من الاعتلال وشهدتم ببطلان مقالكم الذي قدمناه. على أن نص التلاوة يدل على خلاف ما ذكرتموه، وذلك أن الله سبحانه قال: * (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) * (1) فأنبأ الله سبحانه خلقه أن الذي نزلت عليه السكينة هو المؤيد بالملائكة إذ كانت الهاء التي في التأييد تدل على ما دلت عليه الهاء التي في نزول السكينة وكانت هاء الكناية في مبتدأ قوله: * (إلا تنصروه فقد نصره الله) * (2) إلى قوله: * (وأيده بجنود لم تروها) * عن مكنى واحد ولم يجز أن تكون عن اثنين غيرين كما لا يجوز أن يقول القائل لقيت زيدا فكلمته وأكرمته فيكون الكلام لزيد بهاء الكناية وتكون الكرامة لعمرو أو خالد أو بكر، وإذا كان المؤيد بالملائكة رسول الله (ص) باتفاق الأمة فقد ثبت أن الذي نزلت عليه السكينة هو خاصة دون صاحبه، وهذا ما لا شبهة فيه.
وقال قوم منهم: إن السكينة وإن اختص بها النبي (ص) فليس يدل ذلك على نقص الرجل لأن السكينة إنما يحتاج إليها الرئيس المتبوع دون التابع، فيقال لهم:
هذا أيضا رد على الله تعالى لأنه قد أنزلها على الأتباع المرؤوسين ببدر وحنين وغيرهما من المقامات، فيجب على ما أصلتموه أن يكون الله سبحانه فعل بهم ما لم تكن بهم الحاجة إليه، ولو فعل ذلك لكان عابثا تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قال الشيخ: وهاهنا شبهة يمكن إيرادها هي أقوى مما تقدم غير أن القوم لم يهتدوا إليها ولا أظن أنها خطرت ببال أحد منهم، وهي أن يقول قائل: قد وجدنا