" ابسط يدك أبايعك فإن سلموا الحق لأهله لم تضرك البيعة وإن ادعوا الشورى والاختيار وأنكروا حقك كان لك من البيعة والاختيار والعقد مثل ما لهم فلم يمكنهم الاستبداد بالأمر دونك " فأبى أمير المؤمنين - عليه السلام - ذلك وكره أن يتوصل إلى حقه بباطل لا يوصل إليه وبرهان أمره يقهر القلوب بظهور النص عليه.
ولأنه كره أن يبسط يده للبيعة فيلزمه بعد ذلك تجريد السيف على دافعيه الأمر فلا يستقيم له مع الاختيار وعقد القوم له أن يلزم التقية وقد تقدمت الوصية له من النبي (ص) بالكف عن الحرب مخافة بطلان الدين ودرس الإسلام، وقد بين ذلك في مقاله - عليه السلام - حيث يقول: " أما والله لولا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم " فعدل عن قبول البيعة لما ذكرناه.
فإن قال بعضهم في هذا الجواب: قد وصل إلى حقه كما زعمتم بعد عثمان بالاختيار ودخل في الشورى فكيف استجاز التوصل إلى الحق بالباطل على ما فهمناه عنكم من الجواب؟
قيل له: يقول القوم إنما ساغ له ذلك في الشورى وبعد عثمان لخفاء النص عليه في تلك الأحوال واندراس أمره بمرور الزمان على دفعه عن حقه فلم يجد إذ ذاك من ظهور فرض طاعته ما كان عند وفاة رسول الله (ص) فاضطر إلى التوصل إلى حقه من حيث جعلوه طريقا إلى التأمير على الناس.
على أن القوم جمعوا بين علتين إحداهما ما ذكرناه، والأخرى ما أردفناه المذكور من وجوب الجهاد عليه بعد قبول البيعة ولم يكن في الأول يجوز له ذلك للوصية المتقدمة من النبي (ص) في الكف عن السيف ولما رآه في ذلك من الاستصلاح وكانت الحال بعد عمر وبعد عثمان على خلاف ما ذكرناه وهذا يبطل ما تعلقتم به.