عمر لم يكن عن عقد ونية ولكنه كان منه على سبيل الإرهاب لئلا يطمع أهل النفاق. فإن زعم ذلك، قيل له: إن هذا التخريج لا يصح على ظاهر مقال الرجل ولا يلائم ما كان منه في الحال لأنه أخرجه مخرج الجد وأبان عما يبان به عن الاعتقاد فأكده بالقسم والأيمان، ولو كان على ما ظننت من أنه أراد الاستصلاح ما كان يورد ذلك على الوجه الذي يقع به الضلال ولا يؤكده التأكيد الذي يدل به السامعين على وجود اعتقاد صدقه في ظاهره وباطنه، ولما كان لقوله عند سماع الآية من أبي بكر " كأني والله ما سمعتها قط ولا علمت أنها في القرآن " معنى، ولقال عند اجتماع الكلمة على الوفاة للناس: " اعلموا أيها الناس أني لم أك جاهلا بوفاة الرسول وإنما أظهرت ما أظهرت من الكلام للإرهاب والاستصلاح " وفي يمين عمر بالله تعالى أنه لما سمع الآية تنبه بها على غلطه في المقال وكان قبلها كأن لم يسمعها قط دليل على بطلان قول من تخرج له ما قدمناه.
وإذا بطل أن يكون الرجل أراد بما أظهره الاستصلاح وبطل أن يكون ما قاله لشبهة دخلت عليه دعته إلى ذلك المقال، لم يبق إلا أنه أراد الفساد في الدين وسلك طريق العناد. على أنه مع الأمر الذي يخرجونه له في ذلك لا ينفك من إظهار الباطل والتصريح بالكذب في الأخبار والإذاعة بما يدعو إلى الجهل والضلال، وهذا بين لذوي الألباب.
على أن المقدار من الزمان الذي أظهر فيه عمر بن الخطاب من القول ما حكيناه ثم رجع عنه، لم يكن موهوما فيه أن لو صمت عن ذلك أو اعتمد على غيره مما لا يخرج به على ظاهر الحق ووقوع الفساد على معهود العادات.
وبعد، فما بال أبي بكر لم يسبقه إلى هذا الاستصلاح وغيره من المهاجرين والأنصار، بل ما باله لما أمره أبو بكر بالانصات لم يجبه إلى ذلك حتى تركه وعدل