تعالى يراهم كما يرى غيرهم، ولا نفي تقليب الحدقة إليهم لأنه من صفات الأجسام. وفي قوله «يوم القيامة» إشعار بأن المعاصي المذكورة بل غيرها أيضا لا تمنع من إيصال الخير والنعمة إليهم في الدنيا لأن إفضاله فيها يعم الأبرار والفجار تأكيدا للحجة عليهم. ومعنى قوله «ولا يزكيهم» أنه لا يطهرهم من ذنوبهم أو لا يقبل عملهم أو لا يثني عليهم ومن لا يثني الله سبحانه عليه يعذبه.
وتخصيص الثلاثة بالذكر ليس لأجل أن غيرهم معذور بل لأجل أن عقوبتهم أعظم وأشد لأن المعصية مع وجود الصارف عنها أقبح وأشنع، والصارف للشيخ عن الزنا انكسار قوته وانطفاء شهوته وطول إعذاره ومدته وقرب الانتقال إلى الله فلابد من أن يتدارك ما فات ويستعد لما هو آت فإذا شغل بالزنا دل ذلك على أنه غير مقر بالدين ومستخف بنهي رب العالمين; فلذلك استحق العذاب المهين. ويمكن أن تستدل بهذا على أن الشيخ، في جميع المعاصي أشد عقوبة من الشاب وعلى أن الشاب بالعفة أمدح من الشيخ والصارف للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى عليه حيث سلطه على عباده وبلاده وجعلهم تحت يده وقدرته فاقتضى ذلك أن يشكر نعمه ويعدل بين خلق الله ويرتدع عن الظلم والفساد ويشاهد ضعفه بين يدي الملك المنان، فإذا قابل كل ذلك بالكفران استحق عذاب النيران، والصارف للمقل الفقير عن الاختيال والاستكبار فقره لأن الاختيال انما هو بالدنيا وليست عنده فاختياله عناد، ومن عاند ربه العظيم يصير محروما من رحمته وله عذاب أليم. ولا يبعد أن يكون المدح في أضداد هذه الأنواع متفاوتا فالشاب بالعفة أمدح من الشيخ كما ذكرنا، ودل عليه أيضا الآثار.
والتواضع من الغني أمدح منه من الفقير كما دل عليه بعض الأخبار، وأما العدل من غير الملك ففي كونه أمدح منه من الملك محل نظر.
15 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن يوسف (عليه السلام) لما قدم عليه الشيخ يعقوب (عليه السلام) دخله عز الملك، فلم ينزل إليه، فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا يوسف أبسط راحتك فخرج منها نور ساطع، فصار في جو السماء، فقال: يوسف يا جبرئيل ما هذا النور الذي خرج من راحتي؟ فقال: نزعت النبوة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي.
* الشرح:
قوله (لما قدم عليه الشيخ يعقوب (عليه السلام) دخله عز الملك فلم ينزل إليه -... إلى آخره) الملك بضم الميم وسكون اللام السلطنة وبفتح الميم وكسر اللام السلطان وبكسر الميم وسكون اللام ما يملك وإضافة العز إليه لامية ولم يكن ما دخله تكبرا تحقيرا للشيخ فإنه كان منزها عنه بل كان حفظا لعزه