عند عامة الناس إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجبا لذله، وهذا شبيه بالتكبير من جهة وبالعجب من أخرى، فانظر إلى ما ورد على الرجل الصالح من خروج نور النبوة من يده لأجل صدور أمر شبيه بالتكبر منه وحرمان عقبه من تلك الفضيلة والكرامة، واحذر عن التكبر فإنه يخرج نور الإيمان من قلبك وربما يسري شوم ذلك وذله في عقبك.
16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها فإذا تكبر قال له: اتضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس وإذا تواضع رفعه الله عز وجل، ثم قال له: انتعش نعشك الله فلا يزال أصغر الناس في نفسه وأرفع الناس في أعين الناس.
* الشرح:
قوله (ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها فإذا تكبر قال له اتضع وضعك الله -... إلى آخره) حكمت عليه بكذا إذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك، ومنه «الحكمة» وزان قصبة للدابة، سميت بذلك لأنها تذللها لراكبها حتى يمنعها الجماع ونحوه، ومنه أيضا اشتقاق الحكمة لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال، ولعل المراد بالحكمة هنا: الحالة المقتضية لسلوكه سبيل الهداية على سبيل الاستعارة، وبإمساك الملك إياها إرشاده إلى ذلك السبيل ونهيه عن العدول عنه.
(وإذا تواضع رفعه الله عز وجل) إنما لم يقل: وإذا تواضع قال له «ارفع رفعك الله» على وفق قوله فيما سبق فإذا تكبر قال له «اتضع وضعك الله» للتنبيه على أن الرفع مترتب على التواضع من غير حاجة إلى دعاء الملك له بالرفع بخلاف الوضع فإنه غير مترتب على التكبر ما لم يدع الملك عليه بالوضع، وهو الذي سبقت رحمته غضبه.
(ثم قال له انتعش نعشك الله) نعشه الله كمنعه، وأنعشه الله أقامه ورفعه، ونعشه فانتعش أي رفعه فارتفع، وقوله «نعشك الله» إما اخبار بما وقع من الرفع أو دعاء له به على سبيل التأكيد أو دعاء له بالثبات والاستمرار (فلا يزال أصغر الناس في نفسه وأرفع الناس في أعين الناس) لأنه تعالى يعظمه في أعين الناس ويجري ذكره بالصلاح والخير على ألسنتهم. قيل روي عنه (صلى الله عليه وآله) «أن الله إذا أحب عبدا يدعو جبرئيل فيقول إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبرئيل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبونه (كذا) أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض».
17 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابه، عن النهدي، عن يزيد بن