قوله (يا ثابت مالكم والناس كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم) نهى (عليه السلام) عن مخاصمة الناس في أمر الدين وأمر بكف النفس عن الوقوع فيهم ومناظرتهم وعن دعائهم إلى أمر الإمامة لكون ذلك أصلح للفرقة الناجية ثم أشار إلى أن المجادلة لا يترتب عليها أثر مؤكدا بالقسم وقال: لو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا وتظاهروا على أن يهدوا عبدا يريد الله ضلالته أي عذابه وسلوكه في الآخرة طريق جهنم بسبب كفره وعصيانه أو يعلم ضلالته عن طريق الخير وأرادوا أن يوصلوه إلى طريق الحق طوعا أو كرها ما استطاعوا أن يهدوه لضرورة أن مراد الله تعالى ومعلومه واقعان لا مرد لهما، وكذا لو اجتمعوا على أن يضلوا عبدا عن طريق الحق يريد الله هداه أي إثابته بالجنة أو سلوكه في الآخرة طريقها بسبب الإيمان والطاعة أو يعلم هدايته وسلوكه طريق الحق ما استطاعوا أن يضلوه لما مر، ثم أمر بالكف عن الناس حتى عن الأقارب ودعائهم إلى الحق على سبيل التأكيد دفعا للحمية العصبية وعلل بأن الله إذا أراد بعبد خيرا لطفا وتفضلا أو بواسطة رجوعه إليه واستعداده لقبوله طيب روحه عن العقائد الخبيثة وطهره عن الجهل المركب فلا يسمع بعد ذلك معروفا إلا عرفه وأقربه ولا منكرا إلا أنكره وعدل عنه، ثم يقذف الله في قلبه لحسن استعداده كلمة يجمع بها أمره وهي أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين لأنهم كلمات الله العليا وآياته الكبرى، ويحتمل أن يراد بها ملك موكل بالقلب لتسديده وإن أردت زيادة التوضيح لهذا الحديث وغيره من أحاديث هذا الباب فارجع إلى ما ذكرنا في باب الهداية من آخر كتاب التوحيد.
3 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن مروإن، عن الفضيل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ندعو الناس إلى هذا الأمر؟ فقال: يا فضيل إن الله إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه حتى أدخله في هذا الأمر طائعا أو كارها.
* الشرح:
قوله (ندعو الناس إلى هذا الأمر فقال يا فضيل) كان الفضيل توهم بملاحظة كثرة شيعته (عليه السلام) أنه يجوز لهم دعوة الخلق علانية إلى خلافته (عليه السلام) وأنه يجوز له إظهار إمامته على رؤوس الأشهاد فمنعه (عليه السلام) لأنه لم يكن ذلك الزمان إبان ظهور دولة الحق وأخبره بأن الهداية موهبية يدخل في هذا الأمر بدون الدعوة الظاهرة المثيرة للفتن الموجبة لاستيصال الشيعة [إلا] من شاء الله كما هو المشاهد في هذا العصر والمعلوم في غيره من الأعصار.
واعلم أن الإنسان مركب من أمرين أحدهما ما يرى وهو هذا البدن والثاني مالا يرى ويقال له الروح والنفس الناطقة والقلب وهو حقيقة الإنسان عند استكماله وليس من هذا العالم الجسماني