تجرده ولذلك أمكنهم الالتزام بأن روح الحيوانات التي الخيال مجردة تبقى بعد موتها وهو متوقف على إثبات أن الحيوان درك وحدة ذاته طول عمره مع تبدل أجزاء بدنه وأنه يبقى مع جميع ما أدركه سابقا واختزن في خياله وبالجملة يتوقف على إحاطتنا بخصوصيات إدراكه الخيالي وأما الإنسان فيذكر غالبا ما أحسه بعد أربع سنين من ولادته والتزموا بتجرد الخيال إذ لا يتعقل حلول صور كثيرة متراكبة بعضها على بعض وبعضها عظمية وبعضها صغيرة متضادة بعضها مع بعض في سنين متطاولة على جسم صغير من غير أن يشوش الصور ويبطل بعضها بعضا.
والحيوان حاله غير معلومة لنا فلعله لا يذكر ما مر عليه سنة أو أقل لكن الحدس القوي يؤكد وجود صفات التجرد في خياله وليس هنا موضع التفصيل في ذلك وأما اعتراض الغزالي على الحكماء في استدلالهم على تجرد النفس ببقاء وحدتها طول العمر مع تبدل البدن بأن الحيوان أيضا كذلك يتبدل أجزائه مع أنه واحد من أول نموه إلى أن يموت ولا يقولون بتجرده.
فالجواب أنهم لم يعلموا وحدته بالمعنى الذي نراه في الإنسان من حفظ شخصيته ومدركاته وعلومه ولا تكفى الوحدة العرفية وعلى فرض ثبوت وحدته حقيقة يقولون بتجرده.
فإن قيل حكمت فيما سبق (في الصفحة 349) بأن الحافظة كسائر الحواس الباطنة جسمانية وهي اعتياد الأعصاب أو الدماغ، قلنا غرضنا هناك الذاكرة فان الحافظة قد نطلق على قوة تحل فيها لصور وقد تطلق على قوة تسترجع المخزون نحضرها عند الحس المشترك والجسماني هو الثاني دون الأولى. راجع الصفحات (27 و 41 و 176 و 292 و 307 و 311 و 320 و 348 و 350 و 356).
(ش)