تغال في كفني، واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري، فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه، ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، ثم الحافون بالعرش، ثم سكان أهل سماء فسماء، ثم جل أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون، يومئون إيماء، ويسلمون تسليما، لا تؤذوني بصوت نادبة ولا رنة (1).
ثم قال: يا بلال، هلم علي بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعصبا بعمامته، متوكئا على قوسه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
معاشر أصحابي، أي نبي كنت لكم! ألم أجاهد بين أظهركم، ألم تكسر رباعيتي، ألم يعفر جبيني، ألم تسل الدماء على حر وجهي (2) حتى لثقت (3) لحيتي، ألم أكابد الشدة والجهد مع جهال قومي، ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟ قالوا: بلى يا رسول الله، لقد كنت لله صابرا، وعن منكر بلاء الله ناهيا، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء. قال: وأنتم فجزاكم الله.
ثم قال: إن ربي عز وجل حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتكم بالله أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فليقتص منه، فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والأنبياء.
فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له سوادة بن قيس (4)، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء