ميثاقهم على الوفاء، وعاند أهل الشقاق والنفاق، وألحدوا في ذلك، فصرفوه عن حده الذي حده الله، فقالوا: القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته، فعلى أي الحالتين كان، فقد علمنا أن المودة هي للقرابة، فأقربهم من النبي (صلى الله عليه وآله) أولاهم بالمودة، كلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها.
وما أنصفوا نبي الله (صلى الله عليه وآله) في حيطته ورأفته، وما من الله به على أمته، مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه، أن لا يودوه في ذريته وأهل بيته، وأن لا يجعلوهم منهم كمنزلة العين من الرأس حفظا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبا لنبيه (١)، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه؟ والاخبار ثابتة بأنهم أهل المودة، والذين فرض الله مودتهم، ووعد الجزاء عليها، أنه ما وفى أحد بهذه المودة مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة، لقول الله عز وجل في هذه الآية: ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ (2) مفسرا ومبينا.
ثم قال أبو الحسن (عليه السلام): حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال: اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا:
إن لك - يا رسول الله - مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارا، مأجورا، أعط ما شئت، وأمسك ما شئت، من غير حرج، قال:
فأنزل الله عز وجل عليه الروح الأمين فقال: يا محمد، (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) يعني أن تودوا قرابتي من بعدي، فخرجوا، فقال المنافقون: ما حمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده، إن هو إلا شئ افتراه في مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيما، فأنزل الله عز وجل