فلا يرتفعان ابدا وإنما يرتفع حكم كل منهما بحدوث الاخر المقابل له في غاية الشناعة والا لزم أن يكون من اغتسل عن الجنابة مجنبا تحقيقا لحدوث الدخول أو الانزال منه متطهرا عنها كذلك لحدوث الغسل منه فيلزم اجتماع الضدين في محل واحد وبطلانه غنى عن البيان فلا تكون الطهارة والحدث الا الاثرين المترتبين على أسبابهما المنتزع حدوثهما من حدوث أسبابهما فيبقى كل منهما إلى أن ينتقض ويرتفع بحدوث الاخر.
الثالث ان كلا منهما مقول بالتشكيك ولكل منهما مرتبتان عليا ودنيا يعبر عنهما في لسان الفقهاء (قدس سرهم) بالكبرى والصغرى والأكبر والأصغر ولكل من المرتبتين مراتب كمالا وضعفا وينبه على ذلك ما ورد من أن: " الوضوء على الوضوء نور على نور " والاختلاف في المرتبة لا يوجب الاختلاف في الحقيقة ضرورة ان اختلاف المراتب اختلاف في وجود الشئ شدة وضعفا لافى حقيقته وماهيته بل متوقف على اتحاد الحقيقة.
ولا ينافي ما بيناه انتزاع كل من المرتبتين من سبب خاص واختلاف الأسباب في الحقيقة لان اختلافها لا يوجب اختلاف المسبب بالضرورة الا ترى ان القتل له حقيقة واحدة ويتولد من أسباب مختلفة الحقيقة كالضرب بالسيف وشرب السم ونحوهما.
فتبين بما بيناه فساد ما يتوهم من أنه يختلف حقيقة كل من الطهارتين مع حقيقة الأخرى باعتبار اختلاف مقابلها من الحدث الأصغر والأكبر كما تختلف حقيقة الطهارة عن الحدث مع حقيقة الطهارة عن الخبث باعتبار اختلاف مقابليها لما ظهر لك من أن اختلاف الحدثين إنما هو في المرتبة لا في الحقيقة فلا يختلف مقابلاهما حينئذ الا في المرتبة ولو كان اختلاف كل من الحدثين مع الاخر في الحقيقة كاختلافه مع الخبث لجاز اجتماع كل منهما مع الطهارة عن الاخر كما جاز اجتماعه مع الطهارة عن الخبث والملازمة واضحة وبطلان اللازم بين ضرورة