وتأول الحديث: ادفنوهم بكلومهم فإذا كان به كلم (1) لم يغسل، وهذا قول أبي حنيفة في الذي يوجد ميتا لا أثر به. وقال الشافعي لا يغسل بحال لأنه مات بسبب من أسباب القتال ولنا أن الأصل وجوب الغسل فلا يسقط بالاحتمال ولان سقوط الغسل في محل الوفاق مقرون بمن كلم فلا يجوز ترك اعتبار ذلك (فصل) وكذلك ان حمل فأكل أو طال بقاؤه لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه وكان شهيدا رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما ثم مات وظاهر كلام الخرقي انه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلي عليه، وإن مات في المعركة أو عقب حمله لم يغسل ولم يصل عليه. وقال مالك إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسل، وقال أحمد في موضع: ان تكلم أو أكل أو شرب صلي عليه. وعن أحمد انه سئل عن المجروح إذا بقي في المعركة يوما إلى الليل ثم مات فرأى أن يصلى عليه. وقال أصحاب الشافعي ان مات حال الحرب لم يغسل ولم يصل عليه وإلا غسل وصلى عليه. قال شيخنا: والصحيح التحديد بما ذكرنا من طول الفصل والاكل لأن الاكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة وطول الفصل يدل على ذلك وقد ثبت اعتبارهما في كثير من المواضع. وأما الكلام والشرب وحالة الحرب فلا يصح التحديد بشئ منها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد " من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ " فقال رجل أنا أنظر يا رسول الله، فنظر فوجده جريحا به رمق. فقال له: ان رسول الله أمرني أن أنظر في الاحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فأنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام. وذكر الحديث قال:
ثم لم أبرح أن مات، وروي ان أصيرم بني عبد الأشهل وجد صريعا يوم أحد فقيل له: ما جاء بك؟
قال أسلمت ثم جئت، وهما من شهداء أحد دخلا في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " ادفنوهم بدمائهم وثيابهم " ولم يغسلا ولم يصل عليهما وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب، وفي حديث أهل اليمامة عن ابن عمر انه طاف في القتلى فوجد أبا عقيل الأنفي قال فسقيته ماء وبه أربعة عشر جرحا كلها قد خلص إلى مقتل، فخرج الماء من جراحاته كلها فلم يغسل (فصل) فإن كان الشهيد قد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو. وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين أشبه من أصابه ذلك في غير المعترك ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه فأصاب نفسه بالسيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخوكم يا معشر المسلمين " فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه. فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال " نعم وأنا له شهيد " وعامر بن الأكوع بارز مرحبا