قلت: وقد يجاب أيضا بأن الانسان ما دام المبيع في ملكه لا يتأمل فيما يلائمه، وإنما يحتاج إلى التأمل بعد البيع، وأيضا كثيرا ما يحتاج إلى رأي غيره، فافهم. قوله: (ومدته كخيار الشرط) أي ثلاثة أيام، ظاهر كلام البحر أن هذا مبني على القول بأنه يشترط معه خيار الشرط، فقد ذكر في البحر أن شمس الأئمة صحح الاشتراط وفخر الاسلام صحح عدمه، ورجحه في الفتح، لكن ذكر قاضيخان أن الاشتراط قول الأكثر، ثم قال البحر: وإذا لم يذكر خيار الشرط على هذا القول فلا بد من تأقيت خيار التعيين بالثلاث عنده، وبأي مدة معلومة كانت عندهما، كذا في الهداية ا ه. لكن قوله على هذا القول ليس في الهداية، والمتبادر من كلام الهداية أن اشتراط التوقيت مبني على ما صححه فخر الاسلام، ويأتي عن الفتح ما يدل عليه.
ثم اعلم أن اشتراط التوقيت نازع فيه الزيلعي فقال: إذا لم يذكر خيار الشرط فلا معنى لتوقيت خيار التعيين، بخلاف خيار الشرط، فإن التوقيت فيه يفيد لزوم العقد عند مضي المدة، وفي خيار التعيين لا يمكن ذلك لأنه لازم في أحدهما قبل مضي الوقت، ولا يمكن تعينه بمضي الوقت بدون تعينه فلا فائدة لشرط ذلك. والذي يغلب على الظن أن التوقيت لا يشترط فيه ا ه.
وأجاب في الحواشي السعدية بأن له فائدة هي أن يجبر على التعيين بعد مضي الأيام الثلاثة، وأقره في النهر، وهو معنى قوله في الشرنبلالية: بل له فائدة هي دفع ضرر البائع لما يلحقه من مطل المشتري التعيين إذا لم يشترط فيفوت على البائع نفعه وتصرفه فيما يملكه ا ه. وأبدى في البحر فائدة أخرى وهي أنه يمكن ارتفاع العقد فيهما: أي في الثوبين مثلا بمضي المدة من غير تعيين، بخلاف مضيها في خيار الشرط فإنه إجازة لكل خيار ما يناسبه ا ه.
قلت: لكنه يستند إلى نقل في ذلك، ولو كان كذلك لما خفي على الزيلعي. قوله: (ولا يشترط معه خيار شرط في الأصح) غير أنهما إن تراضيا على خيار الشرط فيه ثبت حكمه، وهو جواز رد كل من الثوبين إلى ثلاثة أيام، ولو بعد تعيين الثوب الذي في البيع، ولو رد أحدهما كان بحكم خيار التعيين، ويثبت البيع في الآخر بخيار الشرط، ولو مضت الثلاثة قبل رد شئ وتعيينه بطل خيار الشرط وانبرم البيع في أحدهما، وعليه أن يعين، ولو مات المشتري قبل الثلاثة ثم بيع أحدهما وعلى الوارث التعيين، لان خيار الشرط لا يورث، والتعيين ينتقل إلى الوارث ليميز ملكه عن ملك غيره على ما ذكرنا، وإن لم يتراضيا على خيار الشرط معه لا بد من توقيت خيار التعيين بالثلاثة عند أبي حنيفة. فتح وتمامه فيه. وقوله: وإن لم يتراضيا الخ: معطوف على قوله: إن تراضيا. وظاهره أن اشتراط توقيت خيار التعيين مبني على القول بأنه لا يشترط أن يكون مع خيار التعيين خيار الشرط، لا على القول بالاشتراط، خلافا لما يفيده كلام البحر المار وهو ظاهر، لان خيار الشرط موقت فلا حاجة إلى توقيت التعيين أيضا. قوله: (فرضي أحدهما) قال في البحر: ذكر الرضا: إذ لو ورد أحدهما لا يجيزه الآخر، ولم أره صريحا، ولكن قولهم لو رده أحدهما لرده معيبا يدل عليه ا ه. قوله: (أو دلالة) كبيع وإعتاق. قوله: (بعد رؤية الآخر) أي ورضاه به، لان مجرد