ليس فيه حكم على غائب أصلا بخلاف هذه المسائل، فإن فيها الحكم على الغائب ابتداء بما يتضرر به ولو ملكا فإنه قد يلزمه منه ضرر واضع اليد المدعي أنه ملكه وغير ذلك فتدبر. قوله: (ومن أراد أن لا يزني الخ) إن كانت هذه الحيلة صدقا فلا وجه لتسميتها حيلة، ولا لقوله ومن أراد أن لا يزني وصنيعة يوهم أن ذلك سائغ كذبا وليس كذلك، بل مثله من أكبر الكبائر ط فالصواب إسقاط هذه العبارة والاقتصار على عبارة البزازية كما فعل في البحر على أن في صحة هذا الفرع كلاما نذكره عقبه. قوله:
(فبرهن عليها بالطلاق) أي وبأنه تزوجها بعد العدة كما هو ظاهر. قوله: (يقضي عليها أنها زوجة الحاضر) أي ويقضي على الغائب بالطلاق كما يدل عليه ما بعده.
قلت: لكن تقدم أن القضاء على الغائب إنما يصح إذا كان سببا لما يقضي على الحاضر لا محالة، ولا شك أن طلاق الغائب ليس كذلك، لان التزوج قد يكون بدون طلاق كما لو لم تكن زوجة أحد، وانظر ما قدمناه عند قوله: سببا لا محالة يظهر لك حقيقة الامر. قوله: (ولا يحتاج الخ) قال الخير الرملي: وفي جامع الفصولين خلافه. قوله: (ولو قضى على غائب الخ) أي قضى من يرى جوازه كشافعي لاجماع الحنفية على أنه لا يقضي على غائب كما ذكره الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء، كذا حققه في البحر.
والحاصل: أنه لا خلاف عندنا في عدم جواز القضاء على الغائب، وإنما الخلاف في أنه لو قضى به من يرى جوازه هل ينفذ بدون تنفيذ أو لا بد من إمضاء قاض آخر؟ ورأيت نحو هذا منقولا عن إجابة السائل عن بعض رسائل العلامة قاسم، وبه ظهر أن قول المصنف فيما مر ولا يقضي على غائب بيان لحكم المذهب عندنا، وقوله هنا ولو قضى الخ حكاية للخلاف في النفاذ وعدمه.
قلت: بقي ما لو قضى الحنفي بذلك، ولا يخفى أنه يأتي فيه الكلام المار فيما لو قضى في مجتهد فيه بخلاف رأيه، وما فيه من التفصيل واختلاف التصحيح فعلى قول من رجح الجواز لا يبقى فرق بين الحنفي وغيره، وعلى هذا يحمل ما صرح به في القنية من أنه لا يشترط في نفاذ القضاء على الغائب أن يكون من شافعي، وبه اندفع ما أورده الرملي والمقدسي على صاحب البحر حيث خصه بمن يرى جوازه كما ذكرنا، واندفع أيضا ما يتوهم من المنافاة بين ما ذكره الصدر الشهيد وما في القنية. وهذا ما ظهر لي فتدبره. لكن استظهر في البحر بعد ذلك تخصيص الخلاف في النفاذ وعدمه بالحكم للمفقود لا مطلق الغائب، واستدل بعبارة في الخانية، ونازعه الرملي بأنها لا تدل على مدعاه بل الظاهر من كلامهم التعميم ا ه. وقال في جامع الفصولين: قد اضطربت أراؤهم وبيانهم في مسائل الحكم للغائب، وعليه ولم يصف ولم ينقل عنهم أصل قوي ظاهر يبني عليه الفروع بلا اضطراب ولا إشكال، فالظاهر عندي أن يتأمل في الوقائع ويحتاط ويلاحظ الحرج والضرورات فيفتي بحسبها جوازا أو فسادا، مثلا لو طلق امرأته عند العدل فغاب عن البلد ولا يعرف مكانه أو يعرف ولكن يعجز عن إحضاره، أو عن أن تسافر إليه هي أو وكيلها لبعده أو لمانع آخر. وكذا المديون لو غاب وله نقد في