والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة، فالخمر مال لا متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنا، وإنما لم ينعقد أصلا بجعلها مبيعا لان الثمن غير مقصود بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن، فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع، وتمام تحقيقه في فصل النهي من التلويح، ومن هذا قال في البحر: ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن ا ه. وفي التلويح أيضا من بحث القضاء: والتحقيق أن المنفعة ملك لا مال، لان الملك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص، والمال ما من شأنه أن يدخر للانتفاع وقت الحاجة، والتقويم يستلزم المالية عند الامام والملك عند الشافعي، وفي البحر عن الحاوي القدسي، المال اسم لغير الآدمي، خلق لمصالح الآدمي وأمكن احرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار والعبد وإن كان فيه معنى المالية لكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه ا ه.
قلت: وفيه نظر، لان المال المنتفع به في التصرف على الوجه الاختيار والقتل والاهلاك ليس بانتفاع، ولان الانتفاع بالمال يعتبر في كل شئ بما يصلح له، ولا يجوز إهلاك شئ من المال بلا انتفاع أصلا كقتل الدابة بلا سبب موجب. قوله: (بدليل وشروه بثمن بخس) أي باعوه: أي إخوة يوسف بثمن ناقص وقيل: باعوه بعشرين درهما، فالآية دليل على أن البيع لا يلزم كون المبيع فيه مالا، لان الحر لا يملك.
قلت: وفيه أن أهل اللغة في الجاهلية كانوا يسترقون الأحرار ويبيعونهم، فلا تدل الآية على أن البيع لغة لا يشترط فيه المالية، على أن الظاهر أن الحر يملك قبل شرعنا، بدليل: * (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) * ثم رأيت ذلك في القهستاني من البيع الفاسد حيث قال: إن الحر كان مالا في شريعة يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حتى استرق السارق كما في شرح التأويلات، فلا ينبغي أن يقال: إنه لم يكن مالا عند أحد ا ه. فالأولى الاستدلال بمثل:
* (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فاستبشروا ببيعكم) * (التوبة: 111) * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * (البقرة: 61) ونحوه، ولا يخفى أن دعوى المجاز في ذلك خلاف الأصل، فافهم.
وبهذا ظهر أن تعريفه لغة بما ذكره الشارح تبعا للمحيط أولى مما في الفتح عن فخر الاسلام من أن البيع لغة مبادلة المال بالمال، لكن يرد على الأول أنه يدخل فيه النكاح، إلا أن يراد بالمقابلة ما يكون على وجه التمليك حقيقة. تأمل. قوله: (وهو من الأضداد) أي من الألفاظ التي تطلق على الشئ وعلى ضده، كما في قوله تعالى: * (وكان وراءهم ملك) * أي قدامهم. قال في الفتح: يقال : باعه إذا أخرج العين من ملكه إليه، وباعه أي اشتراه ا ه. وكذا الشراء بدليل: * (وشروه بثمن بخس) * فيطلق كل منهما على الآخر. وفي المصباح: والبيع من الأضداد مثل الشراء، ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع، لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، قوله:
(ويستعمل متعديا) أي بنفسه إلى مفعولين. قوله: (وبمن للتأكيد) كبعت من زيد الدار، وظاهر الفتح أنها للتعدية، لأنه قال: ويتعدى بنفسه وبالحرف. قوله: (وباللام) أي قليلا. وعبارة ابن القطاع على ما في المصباح: وربما دخلت اللام مكان من، تقول: بعتك الشئ وبعت لك فهي زائدة اه.