بالزنا وشهد آخران بالاحصان ثم رجعوا فالضمان على شهود الزنا على شهود الاحصان لان الاحصان شرط ولو شهدا انه قتل فلانا خطأ وقضى القاضي ثم رجعا ضمنا الدية لأنهما أتلفاها عليه وتكون في مالهما لان الشهادة منهما بمنزلة الاقرار منهما بالاتلاف والعاقلة لا تعقل الاقرار كما لو أقر صريحا ولهذا لو رجعا في حال المرض اعتبر اقرار بالدين حتى يقدم عليه دين الصحة كما في سائر الأقارير وكذا لو شهدا انه قطع يد فلان خطأ وقضى القاضي ثم رجعا ضمنا دية اليد لما قلنا وكذا لو شهدا عليه بالسرقة فقضى عليه بالقطع فقطعت يده ثم رجعا فقد روى أن شاهدين شهدا عند سيدنا علي كرم الله وجهه على رجل بالسرقة فقضى عليه بالقطع فقطعت يده ثم جاء الشاهدان بآخر فقالا أو همنا أن السارق هذا يا أمير المؤمنين فقال سيدنا علي رضي الله عنه لا أصدقكما على هذا وأغرمكما دية يد الأول ولو علمت أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فكان اجماعا ولو شهد انه قتل فلانا عمدا فقضى القاضي وقتل ثم رجعا فعليهما الدية عندنا وعند الشافعي رحمه الله عليهما القصاص وعلى هذا الخلاف إذا شهدا انه قطع يد فلان (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان شهادتهما وقعت قتلا تسبيبا لأنها تفضى إلى وجوب القصاص وانه يفضى إلى القتل فكانت شهادتهما تسبيبا إلى القتل والتسبيب في باب القصاص في معنى المباشرة كالاكراه على القتل (ولنا) أن نسلم أن الشهادة وقعت تسبيبا إلى القتل لكن وجوب القصاص يتعلق بالقتل مباشرة لا تسبيبا لان ضمان العدوان الوارد على حق العبد مقيد بالمثل شرعا ولا مماثلة بين القتل مباشرة وبين القتل تسبيبا بخلاف الاكراه على القتل لان القاتل هو المكره مباشرة لكن بيد المكروه وهو كالآلة والفعل المستعمل الآلة لا للآلة على ما عرف على أن ذلك وإن كان قتلا تسبيبا فهو مخصوص عن نصوص المماثلة فمن ادعى تخصيص الفرع يحتاج إلى الدليل وعلى هذا يخرج ما إذا شهدا على ولى القتيل أنه عفا عن القتل وقضى القاضي ثم رجعا انه لا ضمان عليهما في ظاهر الرواية لأنه لم يوجد منهما اتلاف المال ولا النفس لان شهادتهما قامت على العفو عن القصاص والقصاص ليس بمال ألا ترى أنه لو أكره رجلا على العفو عن القصاص فعفا لا يضمن المكره ولو كان القصاص مالا يضمن لان المكره يضمن بالاكراه على اتلاف المال وكذا من وجب له القصاص وهو مريض فعفا ثم مات في مرضه ذلك لا يعتبر من الثلث ولو كان مالا اعتبر من الثلث كما إذا تبرع في مرضه وعن أبي يوسف رحمه الله أنهما يضمنان الدية لولي القتيل لان شهادتهما اتلاف للنفس لان نفس القاتل تصير مملوكة لولي القتيل في حق القصاص فقد اتلفا بشهادتهما على المولى نفسا تساوى ألف دينار أو عشرة آلاف درهم فيضمنان وهذا غير سديد لأنا لا نسلم أن نفس القاتل تصير مملوكة لولي القتيل بل الثابت له ملك الفعل لا ملك المحل لان في المحل ما ينافي الملك لما علم في مسائل القصاص فلم تقع شهادتهما اتلاف النفس ولا اتلاف المال فلا يضمنان ولو شهدا أن هذا الغلام ابن هذا الرجل والأب يجحده فقضى القاضي بشهادتهما ثم رجعا لا يبطل النسب ولا ضمان على الشاهدين لانعدام اتلاف المال منهما (وأما) شرائط الوجوب فأنواع منها أن يكون الرجوع بعد القضاء فإن كان قبله لا يجب الضمان لما ذكرنا أن الركن في وجوب الضمان بالشهادة وقوع الشهادة اتلافا ولا تصير اتلافا الا إذا صارت حجة ولا تصير حجة الا بالقضاء فلا تصير اتلافا الا به (ومنها) مجلس القضاء فلا عبرة بالرجوع عند غير القاضي كما لا عبرة بالشهادة عند غيره حتى لو أقام المدعى عليه البينة على رجوعهما لا تقبل بينته كذا لا يمين عليهما إذا أنكر الرجوع الا إذا حكيا عند القاضي رجوعهما عند غيره فيعتبر رجوعهما لان ذلك بمنزلة انشاء رجوعهما عند القاضي فكان معتبرا (ومنها) أن يكون المتلف بالشهادة عين مال حتى لو كان منفعة لا يجب الضمان لان الأصل ان المنافع غير مضمونة بالاتلاف عندنا وعلى هذا يخرج ما إذا شهد أنه تزوج هذه المرأة بألف درهم ومهر مثلها ألفان وهي تنكر فقضى القاضي بالنكاح بألف درهم ثم رجعا لا يضمنان للمرأة شيئا لأنهما اتلفا عليها منفعة البضع والمنفعة ليست بعين مال حقيقة وإنما يعطى لها حكم الأموال بعارض عقد الإجارة وكذا لو ادعت امرأة على رجل أنه طلقها على ألف درهم والزوج ينكر فشهد شاهدان فقضى ثم رجعا لم يضمنا للزوج شيئا لأنهما بشهادتهما
(٢٨٥)