إلى صيانة حقوقهم ماسة لأنهم إنما قبلوا عقد الذمة لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا والدليل على أن الصيانة لا تحصل الا وأن يكون لبعضهم على بعض شهادة لأن هذه المعاملات تكثر فيما بينهم والمسلمون لا يحضرون معاقدتهم ليتحملوا حوادثهم فلو لم يكن لبعضهم على بعض شهادة لضاعت حقوقهم عندا الجحود والانكار فدعت الحاجة إلى الصيانة بالشهادة وأما الآية الكريمة فوجوب القضاء لا يثبت بالشهادة وإنما يثبت بالتقليد السابق والشهادة شرط الوجوب ولا حكم لا يثبت بالشرط فلا يكون في قبول شهادة بعضهم على بعض اثبات السبيل للكافر على المؤمن سواء اتفقت مللهم أو اختلفت فتقبل شهادة النصراني على اليهودي واليهودي على المجوسي وقال ابن أبي ليلى ان اختلفت لا تقبل وهذا غير سديد لان الكفر وان اختلفت أنواعه صورة فهو ملة واحدة حقيقة فتقبل شهادة بعضهم على بعض كيف ما كان بعد أن يكون الشاهد من أهل دار الاسلام حتى لاتقبل شهادة المستأمن على الذمي لأنه ليس من أهل دار الاسلام حقيقة وإن كان فيها صورة لأنه ما دخل دارنا للسكنى فيها بل ليقضى حوائجه ثم يعود عن قريب فلم يكن من أهل دار الاسلام والذمي من أهل دار الاسلام فاختلفت الدار ان فلم تقبل شهادة الذمي عليه بالنص الذي روينا وصار حكم المستأمن مع الذمي في الشهادة كحكم الذمي مع المسلم وشهادة المستأمن تقبل على المستأمن أن اتفقت دارهم ومللهم وان اختلفت لا تقبل ومنها عدم التقادم في الشهادة على الحدود كلها الاحد القذف حتى لا تقبل الشهادة عليها إذا تقادم العهد الاعلى حد القذف بخلاف الاقرار لما عرف في كتاب الحدود والله تعالى أعلم ومنها قيام الرائحة في الشهادة على شرب الخمر إذا لم يكن سكران ولم يتحقق انه من مسيره لا يبقى الريح من المجئ به من مثلها عادة عندهما وعند محمد ليس بشرط وهي من مسائل الحدود وتذكر هنا لك إن شاء الله تعالى (ومنها) الأصالة في الشهادة على الحدود والقصاص حتى لا تقبل فيها الشهادة بطريق النيابة وهي الشهادة على الشهادة عندنا كذا لا يقبل فيها كتاب القاضي إلى القاضي لأنه في معنى الشهادة على الشهادة وعند الشافعي رحمه الله ليس بشرط حتى تقبل فيها الشهادة على الشهادة وأجمعوا على أنها ليست بشرط في الأموال والحقوق المجردة عنها فتقبل فيها الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي الا في العبد الآبق عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف تقبل فيه أيضا على ما نذكر في كتاب أدب القاضي (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان الفروع يؤدون الشهادة نيابة عن الأصول فكانت شهادتهم شهادة الأصول معنى وشهادة الا صول على الحدود والقصاص مقبولة (ولنا) ان الحدود والقصاص مما تدرأ بالشبهات والشهادة لا تخلو عن شبهة ولهذا لاتقبل فيها شهادة النساء لتمكن الشبهة في شهادتهن بسبب السهو والغفلة بل أولى لان الشبهة هنا تمكنت في مجلس فكان فيها زيادة ليست في شهادة الأصول ولان الحدود لما كانت مبينة على الدرء أوجب ذلك اختصاصها بحجج مخصوصة بل ايقاف إقامتها ولهذا شرط عدد الأربعة في الشهادة على الزنا لان اطلاع أربعة من الرجال الأحرار على غيبوبة ذكره في فرجها كما يغيب الميل في المكحلة نادر غاية الندرة ثم نقول الكلام في الشهادة على الشهادة يقع في مواضع في صورة تحمل الشهادة على الشهادة وفى شرائط التحمل وفى صورة أداء الشهادة على الشهادة وفى شرائط الأداء أما صورة التحمل فلها عبارتان مختصرة ومطولة أما اللفظ المختصر فهو أن يقول شاده الأصل اشهد على شهادتي انى أشهد ان لفلان على فلان كذا أو يقول أشهد ان لفلان على فلان كذا فاشهد على شهادتي بذلك وأما المطول فهو أن يقول شاهد الأصل أشهد أن لفلان على فلان كذا أشهدك على شهادتي هذه وآمرك أن تشهد على شهادتي هذه فاشهد وأما شرائط تحمل هذه الشهادات فما ذكرنا في عموم الشهادات وأما الذي يختص بها فأنواع منها الاشهاد حتى لا يصح التحمل بنفس السماع دون الاشهاد حتى لو قال أشهد ان لفلان على فلان كذا فسمع إنسان لكن لم يقل اشهد أنت لم يصح التحمل بخلاف سائر الشهادات انه يصح التحمل فيها معاينة الفعل وسماع الاقرار والانشاء من غير اشهاد (ووجه) الفرق ان الفروع يشهدون نيابة عن الأصول فلا بد من الإنابة منهم وذلك
(٢٨١)