قول الشافعي رحمه الله ان شهادة النساء حجة ضرورة لأنها جعلت حجة في باب الديانات عند عدم الرجال ولا ضرورة في الحقوق التي ليست بمال لاندفاع الحاجة فيها بشهادة الرجال ولهذا لم تجعل حجة في باب الحدود والقصاص وكذا لم تجعل حجة بانفراد هن فيمالا يطلع عليه الرجال (ولنا) قوله تبارك وتعالى واستشهدوا الا آية جعل الله سبحانه وتعالى لرجل وامرأتين شهادة على الاطلاق لأنه سبحانه وتعالى جعلهم من الشهداء والشاهد المطلق من له شهادة على الاطلاق فاقتضى أن يكون لهم شهادة في سائر الأحكام الا ما قيد بدليل وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه أجاز شهادة النساء مع الرجال في النكاح والفرقة ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر من الصحابة فكان اجماعا منهم على الجواز ولان شهادة رجل وامرأتين في اظهار المشهود به مثل شهادة رجلين لرجحان جانب الصدق فيها على جانب الكذب بالعدالة لا انها لم تجعل حجة فيما يدرأ بالشبهات لنوع قصور وشبهة فيها لما ذكرنا وهذه الحقوق تثبت بدليل فيه شبهة (وأما) قوله بأنها ضرورة فلا تسلم فإنها مع القدرة على شهادة الرجال في باب الأموال مقبولة فدل انها شهادة مطلقة لا ضرورة وبه تبين ان نقصان الأنوثة يصير مجبورا بالعدد فكانت شهادة مطلقة واختلف في اشتراطها في الشهادة على الاحصان قال علماؤنا الثلاثة رضي الله عنهم ليست بشرط وقال زفر شرط حتى يظهر الاحصان بشهادة رجل وامرأتين عندنا وعنده لا يظهر (وجه) قول زفر رحمه الله أن الذكورة شرط في علة العقوبات بالاجماع حتى لا يظهر بشهادة رجل وامرأتين والاحصان من جملة أو صاف العلة لأن علة وجوب الرجم ليس هو الزنا المطلق بل الزنا لموصوف بالتغليط ولا يتغلط الا بالا حصان فكان الاحصان من جملة العلة فلا يثبت بشهادة النساء ولهذا لو أقر بالاحصان جاز رجوعه كما أنه لو أقر بالزنا رجع وكذا الشهادة القائمة على الاحصان من غير دعوى كالشهادة القائمة على الزنا (ولنا) قوله عز وجل فاستشهد والآية ودلالتها على نحو ما تقدم مع الشافعي رحمه الله وأما قوله من جملة العلة الاحصان قلنا الا ممنوع بل هو شرط العلة فيصير الزنا عنده علة والحكم يضاف إلى العلة لا إلى الشرط لما عرف في أصول الفقه وأما الرجوع عنه بعد الاقرار فلا نسلم أنه لا يصح الرجوع في قول أبى يوسف رحمه الله ولا يصح في قول زفر رحمه الله وهذا حجة على زفر ولا رواية فيئه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما لله فلنا أن نمنع وعدم اشتراط الدعوى يدل على أنه حق الله سبحانه وتعالى لاعلى أن ه تضاف إليه العقوبة الا ترى ان الدعوى ليست بشرط في عتق الأمة اجماعا ولا في عتق العبد عند أبي يوسف ومحمد وإن كان لا تقرر تعلق عقوبة به ونحن نسلم ان الاحصان حق الله تعالى في هذا الوقت على ما عرف في الخلافيات ومنهم اسلام الشاهد إذا كان المشهود عليه مسلما حتى لا تقبل شهادة الكافر على المسلم لان الشهادة فيها معنى الولاية وهو تنفيذ القول على الغير ولا ولاية للكافر فلا شهادة له عليه وتقبل شهادة المسلم على الكافر لأنه من أهل أن يثبت له الولاية على المسلم فعلى الكافر أولى (وأما) إذا كان المشهود عليه كافرا فاسلام الشاهد هل هو شرط لقبول شهادته عليه فقد اختلف فيه قال أصحابنا رضي الله عنهم ليس بشرط حتى تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض سواء اتفقت مللهم أو اختلفت بعد إن كانوا عدولا ولا في دينهم وقال الشافعي رحمه الله شرط حتى لا تقبل شهادتهم أصلا واحتج بقوله سبحانه وتعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا نفى الله سبحانه وتعالى أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا وفى قبول شهادة بعضهم على بعض اثبات السبيل للكافرين على المؤمنين لأنه يجب على القاضي الفضاء بشهادتهم وانه منفى ولان العدالة شرط قبول الشهادة والفسق مانع والكفر رأس الفسق فكان أولى بالمنع من القبول (ولنا) قول النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الحديث فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن له ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وللمسلم على المسلم شهادة فكذا للذمي على الذمي فظاهره يقتضى أن يكنون للذمي على المسلم شهادة كالمسلم الا أن ذلك صار مخصوصا من عموم النص ولان الحاجة مست إلى صيانة حقوق أهل الذمة ولا تحصل الصيانة الا وأن يكون لبعضهم على بعض شهادة ولا شك أن الحاجة
(٢٨٠)