يدينه فكانت المعصية معصية مسقطة للعدالة والأصل في هذا الفصل أن من ارتكب جريمة فإن كانت من الكبائر سقطت عدالته الا أن يتوب فإن لم تكن من الكبائر فان أصر عليها واعتاد ذلك فكذلك لان الصغيرة بالاصرار عليها تصير كبيرة قال عليه الصلاة والسلام لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار وان لم يصر عليها لا تسقط عدالته إذا غلبت حسناته سيئاته وأما بيان صفة العدالة المشروطة فقد اختلف أصحابنا رحمهم الله قال أبو حنيفة رضي الله عنه الشرط هو العدالة الظاهرة فاما العدالة الحقيقية وهي الثابتة بالسؤال عن حال الشهود بالتعديل والتزكية فليست بشرط وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله انها شرط ولقب المسألة ان القضاء بظاهر العدالة جائز عنده وعندهما لا يجوز وجملة الكلام فيه أنه لا خلاف في أنه إذا طعن الخصم في الشاهد انه لا يكتفي بظاهر العدالة بل يسأل القاضي عن حال الشهود وكذا لا خلاف فيه أنه يسأل عن حالهم في الحدود والقصاص ولا يكتفى بالعدالة الظاهرة سواء طعن الخصم فيهم أو لم يطعن واختلفوا فيما سوى الحدود والقصاص إذا لم يطعن الخصم قال أبو حنيفة رحمه الله لا يسأل وقالا يسأل عن مشايخنا من قال هذا الاختلاف اختلاف زمان لا اختلاف حقيقة لان زمن أبي حنيفة رحمه الله كان من أهل خير وصلاح لأنه زمن التابعين وقد شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخيرية بقوله خير القرون قرني الذي أنا فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب الحديث فكان الغالب في أهل زمانه الصلاح والسداد فوقعت الغنية عن السؤال عن حالهم في السر ثم تغير الزمان وظهر الفساد في قرنهما فوقعت الحاجة إلى السؤال عن العدالة فكان اختلاف جوابهم لاختلاف الزمان فلا يكون اختلافا حقيقة ومنهم من حقق الخلاف (وجه) قولهما ان العدالة الظاهرة تصلح للدفع لا للاثبات لثبوتها باستصحاب الحال دون الدليل والحاجة ههنا إلى الاثبات وهو ايجاب القضاء والظاهر لا يصلح حجة له فلا بد من إثبات العدالة بدليلها ولأبي حنيفة ظاهر قوله عز وجل وكذلك جعلنا كم أمة وسطا أي عدلا وصف الله سبحانه وتعالى مؤمني هذه الأمة بالوساطة وهي العدالة وقال سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه عدول بعضهم على بعض فصارت العدالة أصلا في المؤمنين وزوالها بعارض ولان العدالة الحقيقية مما لا يمكن الوصول إليها فتعلق الحكم بالظاهر وقد ظهرت عدالتهم قبل السؤال عن حالهم فيجب الاكتفاء به الا أن يطعن الخصم لأنه إذا طعن الخصم وهو صادق في الطعن فيقع التعارض بين الظاهرين فلابد من الترجيح بالسؤال والسؤال في الحدود والقصاص طريق لدرئها والحدود يحتال فيها للدرء ولو طعن المشهود عليه في حرية الشاهدين وقال إنهما رقيقان ولا قالا نحن حران فالقول قوله حتى تقوم لهما البينة على حريتهما لان الأصل في بني آدم وإن كان هو الحرية لكونهم أولا آدم وحواء عليما الصلاة والسلام وهما حران لكن الثابت بحكم استصحاب الحال لا يصلح للالزام على الخصم ولابد من اثباتها بالدلائل والأصل فيه أن الناس كلهم أحرارا الا في أربعة الشهادات والحدود والقصاص والعقل هذا إذا كانا مجهولي النسب لم تعرف حريتهما ولم تكن ظاهرة مشهورة بأن كانا من الهند أو الترك أو غيرهم ممن لا تعرف حريته أو كانا عربيين فاما إذا لم يكونا ممن يجرى عليه الرق فالقول قولهما ولا يثبت رقهما الا بالبينة وأما بيان ان العدالة شرط قبول أصل الشهادة وجود أم شرط القول مطلقا وجوبا ووجودا فقد اختلف فيه قال أصحابنا رحمهم الله انها شرط القبول للشهادة وجود على الاطلاق ووجوبا لاشرط أصل القبول حتى يثبت القبول بدونه وقال الشافعي عليه الرحمة انها شرط أصل القبول لا يثبت القبول أصلا دونها حتى أن القاضي لو تحرى الصدق في شهادة الفاسق يجوز له قبول شهادته ولا يجوز القبول من غير تحر بالاجماع وكذا لا يجب عليه القبول بالاجماع وله أن يقبل شهادة العدل من غير تحر وإذا شهد يجب علية القبول وهذا هو الفصل بين شهادة العدل وبين شهادة الفاسق عندنا وعند الشافعي عليه الرحمة لا يجوز للقاضي أن يقضى بشهادة الفاسق أصلا وكذا ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين عندنا وعنده لا ينعقد (وجه) قول الشافعي رحمه الله أن مبنى قبول الشهادات على الصدق لا يظهر الصدق الا بالعدالة لان خبر من ليس بمعصوم عن الكذب يحتمل الصدق
(٢٧٠)