جعلت هذه الدار لك رقبى أو قال هذه الدار لك رقبى ودفعها إليه فهي عارية في يده في يده له أن يأخذها منه متى شاء وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف هذا هبة وقوله رقبى باطل احتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى والرقبى ولان قوله داري لك تمليك العين لا تمليك المنفعة ولما قال رقبى فقد علقه بالشرط وانه لا يحتمل التعليق فبطل الشرط وبقى العقد صحيحا ولهذا لو قال داري لك عمري انه تصح الهبة ويبطل شرط المعمر كذا هذا واحتجا بما روى الشعبي عن شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الرقبى ومثلهما لا يكذب ولان قوله داري لك رقبى تعليق التمليك بالخطر لان معنى الرقبى أنه يقول إن مت أنا قبلك فهي لك وان مت أنت قبلي فهي لي سمى الرقبى من الرقوب والارتقاب والترقب وهو الانتظار لان كل واحد منهما ينتظر موت صاحبه قبل موته وذلك غير معلوم فكانت الرقبى تعليق التمليك بأمر له خطر الوجود والعدم والتمليكات مما لا تحتمل التعليق بالخطر فلم تصح هبة وصحت عارية لأنه دفع إليه وأطلق له الانتفاع به وهذا معنى العارية وهذا بخلاف العمرى لان هناك وقع التصرف تمليكا للحال فهو بقوله عمري وقت التمليك انه لا يحتمل التوقيت فبطل وبقى العقد على الصحة ولا حجة له في الحديث لان الرقبى تحتمل أن تكون من المراقبة وهي الانتظار ويحتمل أن تكون من الا رقاب وهو هبة الرقبة فان أريد بها الأول كان حجة له وان أريد بها الثاني لا يكون حجة لان ذلك جائز فلا يكون حجة مع الاحتمال أو يحمل على الثاني توفيقا بين الحديثين صيانة لكلام من يستحيل عليه التناقض عنه وبهذا تبين أن لا اختلاف بينهم في الحقيقة إن كان الرقبى والارقاب مستعملان في اللغة في هبة الرقبة وينبغي أن ينوى فان عنى به هبة الرقبة يجوز بلا خلاف وان عنى به مراقبة الموت لا يجوز بلا خلاف ولو قال لرجلين داري لأطولكما حياة فهو باطل لأنه لا يدرى أيهما أطول حياة فكان هذا تعليق التمليك بالخطر فبطل ولو قال داري لك حبيس فهذا عارية عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هو هبة وقوله حبيس باطل بمنزلة الرقبى (وجه) قوله أن قوله داري لك تمليك وقوله حبيس نفى الملك فلم يصح النفي وبقى التمليك على حاله (وجه) قولهما أن قوله حبيس خرج تفسيرا لقوله لك فصار كأنه ابتدأ بالحبيس فقال داري حبيس لك ولو قال ذلك كان عارية بالاجماع كذا هذا ولو قال داري رقبى لك كان عارية اجماعا ذكره القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ولو وهب جارية على أن يبيعها أو على أن يتخذها أم ولد أو على أن يبيعها لفلان أو على أن يردها عليه بعد شهر جازت الهبة وبطل الشرط لأن هذه الشروط مما لم تمنع وقوع التصرف تمليكا للحال وهي شروط تخالف مقتضى العقد فتبطل ويبقى العقد على الصحة بخلاف شروط الرقبى على ما بينا وبخلاف البيع فإنه تبطله هذه الشروط لان القياس أن لا يكون قران الشرط الفاسد لعقد ما مفسرا له لان ذكره في العقد لم يصح فيلحق بالعدم ويبقى العقد صحيحا الا أن الفساد في البيع للنهي الوارد فيه ولا نهى في الهبة فيبقى الحكم فيه على الأصل ولان دلائل شرعية الهبة عامة مطلقة من نحو قوله تعالى فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وهذا يجرى مجرى الترغيب في أكل المهر وقوله عليه الصلاة والسلام تهادوا تحابوا وهذا ندب إلى التهادي والهدية هبة وروينا عن الصديق رضي الله عنه أنه قال لسيدتنا عائشة رضى الله عنا انى كنت نحلتك كذا وكذا وعن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه أراد به الثواب فهو على هبته يرجع فيها ان لم يرض عنها ونحوه من الدلائل المقتضية لشرعية الهبة من غير فصل بين ما قرن بها شرط فاسد أولم يقرن وعلى هذا يخرج ما إذا وهب جارية واستثنى ما في بطنها أو وهب حيوانا واستثنى نما في بطنه أن الهبة جائزة في الام والولد جميعا والاستثناء باطل والكل للموهوب له وجملة الكلام في العقود التي فيها استثناء الحمل أنها أقسام ثلاثة قسم منها يبطل ويبطل الاستثناء جميعا وقسم منها يصح ويبطل الاستثناء وقسم منها يصح ويصح الاستثناء (أما) الأول فهو البيع والإجارة والكتابة والرهن لان الاستثناء لما في البطن بمنزلة شرط فاسد وهذه العقود تبطل بالشروط الفاسدة (وأما) القسم الثاني فالهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لأن هذه العقود
(١١٧)