ولم يعرف عينه، والآخر قد نزل ولا يصعد، فإنه يعلم لا محالة أن الذي يصعد وينزل لم يمت، وأن الذي نزل ولا يصعد قد مات، أو لم يعلم هل ماتا في حالة واحدة أو مات أحدهما قبل الآخر، فمذهبنا في هذه الثلاث المسائل أنه لا يرث أحدهما من الآخر، ولكن يرث كل واحد منهما ورثته غير الميت معه. وبه قال أبو بكر وعمر وابن عباس وزيد بن ثابت ومالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وذهب علي بن أبي طالب إلى أن يرث كل واحد منهما الآخر ثم يرثهما ورثتهما وبه قال داود.
دليلنا ما روى عن زيد بن ثابت أنه قال: ولاني أبو بكر موارث قتلى اليمامة فكنت أورث الاحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى، ولا كل من لم تعلم حياته عند موت مورثه لم يرثه، أصله الحمل، وهو أن رجل إذا مات وخلف امرأة حاملا فإنه إن خرج حيا ورث، لأنا تيقنا حياته عند موت مورثه، وإن خرج ميتا لم يرث، لأنا لا نعلم حياته عند موت مورثه، ولان توريث كل واحد منهما من الاخر خطا بيقين، لأنهما إن ماتا معا في حالة واحدة لم يرث أحدهما الآخر وان مات أحدهما قبل الآخر فتوريث الساق منهما وتأمن الاخر خطا فإذا كان كذلك لم يرث أحدهما من الآخر لأنه ليس أحدهما أن يكون مات أولا بأولى من الاخر (فرع) إذا مات رجل وخلف ولدا أسيرا في أيدي الكفار فإنه يرث ما دام يعلم حياته، وبه قال أهل العلم كافة، وقال النخعي لا يرث الأسير دليلنا قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولم يفرق بين الأسير وغيره، فأما إذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود، وإذا فقد رجل وانقطع خبره لم يقسم ماله حتى يعلم موته أو يمضى عليه من الزمان من حين ولد زمان لا يعيش فيه مثله فحينئذ يحكم الحاكم بموته ويقسم ماله بين ورثته الاحياء يومئذ دون من مات من ورثته قبل ذلك.
وقال مالك (إذا مضى له من العمر ثمانون سنة قسم ماله) وقال عبد الملك بن الماجشون (إذا مضى له تسعون سنة حكم الحاكم بموته) وقال أبو حنيفة (إذا مضى له مائة وعشرون سنة) وحكى بعضهم أن ذلك مذهب الشافعي.
وإن مات المفقود من يرثه قبل أن يحكم بموته أعطى كل وارث من ورثته