فالمبشرون أخذوا أسئلة ذلك الكتاب وصاغوها بأسلوب جديد، وطبعوه طباعة أنيقة وبإخراج جميل، دون الإشارة إلى أنها شبهات نبعت من واقع المسلمين، ليضلوا به الناس ويبعدوهم عن الوقوف على الحقيقة، لكن الله متم نوره وله كره الكافرون.
وما أشبه الليلة بالبارحة! والتاريخ يعيد نفسه، وطرق التمويه والتضليل لا تختلف في أصولها كثيرا، ونسبة الكذب والتضليل تأتي من المحق والمبطل، وقد ضاع الحق بين هذا وذاك.
أما رجال العلم وأتباع المنطق، فلا تخفى عليهم الخفايا والمطامع، ويعرفون الأساليب التي يتخذها المغرضون أمثال الزرعي، فتراهم يخضعون المشكوك والمختلف فيه للأصول الثابتة في الشريعة وعند العقلاء، ويضعونها على محك العلم والمنطق، فالخلافيات عندهم تطرح أولا على الكتاب والسنة ثم يدرسون واقع المسلمين وملابسات التشريع ليكشفوا عن الحقيقة الضائعة.
بعد هذا بات واضحا أن الزرعي يسعى للتمويه والتضليل لا الإمام شرف الدين. وقديما قيل: (رمتني بدائها وانسلت)!
وينكشف مدعانا أكثر لو تصفح المطالع وراجع مصادر الزرعي المشار إليها في هامش كتابه، فمثلا تراه ينقل الأحاديث الذامة لزرارة دون نقل الأحاديث المادحة له!
ولو كان باحثا موضوعيا حقا لنقل النصوص كلها بما فيها من المدح والذم، ودخل لمناقشتها، وأن لا يكتفي بالاستناد على نصوص الذم وحدها مما أتى بها الرجاليون لدراسة ظروف الخبر وبيان ملابساته.
ولو صدق في مدعاه أن زرارة كذاب لا يؤخذ بكلامه، فليأتنا بكلام رجالي واحد من رجاليي الشيعة يخدش زرارة ويطرحه من الاعتبار.
هذا وقد ضعف السيد الخوئي - الذي استند المؤلف على نقل الأقوال من معجمه - جميع الأحاديث الذامة، بعد نقله لها، إما سندا أو دلالة.
إن النصوص الذامة لزرارة في كتب الرجال قد صدرت تحت ظروف خاصة، وأن الرجاليين جاءوا ليبينوا ملابساتها لا للتشكيك في زرارة وأمثاله وجرحه.