غيرك؟) (1).
ولنوضح ما قلناه بتقرير آخر:
مضى على الوضوء العثماني وإلى أيام ثورة الإمام زيد بن علي ما يقارب القرن من الزمن، فلا يعقل أن لا يترك هذا الوضوء بصماته على الحديث ومواقف التابعين، مع ما عرفت من سعي الحكومة في تبني فقه الخليفة عثمان ونشر آرائه، مضافا إلى أن مدرسة عثمان في الوضوء - كما سيتضح لك لاحقا - كانت تبتني على الرأي والاستحسان. وهذه الرؤية كانت تتحد في بعض أصولها مع فكر الإمام أبي حنيفة، فذهاب أبو حنيفة إلى الوضوء الثلاثي الغسلي إنما جاء لاعتقاده بصحة تلك الأحاديث المنقولة وموافقتها لأصول مذهبه وليس لتأثره بالاتجاه الحكومي، إذ أنه قد حضر عند عطاء بن رباح في مكة، ونافع مولى ابن عمر في المدينة، وأخذ عن عاصم بن أبي النجود، وعطية العوفي وعبد الرحمن بن هرمز مولى ربيعة بن الحارث، وزياد بن علاقة، وهشام بن عروة وآخرين، وغالب هؤلاء كانوا يتحدون في الفكر والآراء.
وعلى هذا، تكون الزيدية قد تأثرت بالفقه الحنفي للعلاقات والمواقف التي وقفها الإمام لهم، فإنهم قد تمسكوا بالفقه الحنفي وتركوا ما كان رسمه لهم زيد من فقه آبائه عن رسول الله (ص)، وذلك لعاملين:
1 - خلو الكوفة من علماء الزيدية - بعد مقتل الإمام زيد - وانشغال الطالبيين بمقارعة الظالمين، وبذلك تهيأت الأرضية لأبي حنيفة لاحتوائهم فكريا لقربه إليهم مكانيا وسياسيا.
2 - ابتعادهم عن فقهاء الطالبيين الموجودين في المدينة، كعبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد الصادق، وسعي المندسين في صفوف الثوار لبث روح الفرقة بين صفوفهم وإشاعة كون عبد الله بن الحسن ليس بفقيه ولا يجوز الرجوع إليه، وأن جعفر بن محمد لا يمكن الأخذ عنه لتقاعسه عن الجهاد مع زيد، وما شاكل ذلك من الشبهات، كل ذلك ليحصروا الأخذ في الإمام أبي حنيفة.