وروى أبو أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وآله أتى بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد عنده متاع فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أخالك سرقت؟
قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به قطع وجئ به فقال له: استغفر الله وتب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم تب عليه، ثلاثا، فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله عرض له بالرجوع، فلو لا أنه كان يسقط به لما عرض له فيه، وقد روينا أن عليا عليه السلام انتهره، وهو مروي عن أبي بكر وابن مسعود، ولا مخالف لهما.
مسألة 42: إذا قامت عليه البينة بأنه سرق نصابا من حرز لغائب وليس للغائب وكيل بذلك لم يقطع حتى يحضر الغائب، وكذلك لو قامت البينة أنه زنى بأمة غائب لم يقم عليه الحد حتى يحضر، وإن أقر بالسرقة أو بالزنى أقيم عليه الحد فيهما.
وقال الشافعي: أنه لا يقطع في السرقة ويحد في الزنى، واختلف أصحابه على ثلاث طرق: فقال أبو العباس: لا يحد ولا يقطع، وقال أبو إسحاق: المسألة على قولين فيهما أحدهما يقطع ويحد، والثاني لا يقطع ولا يحد، وقال أبو الطيب بن سلمة وأبو جعفر بن حفص الوكيل: لا يقطع في السرقة ويحد في الزنى.
دليلنا على أنه لا يقطع ولا يحد في السرقة والزنى: أنه يجوز أن يكون الغائب أباح له العين المسروقة أو ملكه إياها أو وقفها عليه أو كانت ملكا للسارق عنده غصب من أبيه أو وديعة أو غير ذلك أو أباح له وطء الأمة أو متعه بها، وإذا احتمل ذلك لم يقطع ولم يحد للشبهة، وأما مع الإقرار فإنه يقام عليه الحد والقطع لأنه يثبت عليه القطع بإقراره، والحد بالزنى بإقراره، وهما من حقوق الله تعالى فلا يقف على حضور الغائب، والظاهر يوجب القطع وإقامة الحد عليه، وهو قوله تعالى: فاقطعوا أيديهما، وقوله: فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة.