وذهبت طائفة إلى أنه يتربص أربعة أشهر فإذا انقضت وقع بانقضائها طلقة بائنة ووقعت الفئة بالمدة فإن فاء فيها فقد وفاها حقها في وقته، وإن ترك الجماع وقعت الطلقة بانقضاء المدة، ذهب إليه الثوري وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة وأصحابه، ويروى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وقد طعن في هذه الرواية عن ابن عباس لأنه كان يذهب إلى أن الإيلاء على التأبيد وهو أصح.
وذهبت طائفة إلى أنه يقع الطلاق بانقضاء المدة، ولكن لا تكون طلقة بائنة، ذهب إليه الزهري وسعيد بن جبير.
دليلنا: قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، وفيها أدلة أربعة:
أحدها: إن الله تعالى أضاف المدة إلى المولى بلام التمليك فقال: للذين يؤلون من نسائهم، فإذا كانت حقا له لم يصح أن يكون الأجل المضروب له محلا لحق غيره فيه، كما تقول في من عليه دين إلى سنة أن لا يوفي إلى سنة، فالسنة ليست محلا لحق غيره فيها.
والثانية: جعل له التربص وأخبر أن له الفئة بعدها فقال له: تربص أربعة أشهر فإن فاءوا - " والفاء " للتعقيب - ثبت أن وقت الفئة بعد التربص.
والثالثة: إن الله تعالى قال " فإن فاءوا " يعني " جامعوا " فأضاف ذلك إلى المولى، وقال: وإن عزموا الطلاق، فأضاف الطلاق عليه أيضا وهو إلى عزمه وإيقاعه ثبت أن الطلاق يقع بفعله كما تقع الفئة بفعله، وعندهم لا فعل له في الطلاق.
والرابعة: إن الله تعالى قال: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم، فوصف نفسه بالغفران إذا هو فاء، وهو وإن لم يكن مأثوما بالفئة فهو في صورة من يفتقر إلى غفران لأنه حنث وهتك حرمة الاسم، فلما كان في صورة من يغفر له وصف الله نفسه بالغفران له، ولما قال: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، أفاد أن هناك ما يسمع ويقال إذ لو لم يكن كذلك لما وصف نفسه بأنه يسمع ذلك.