فأما على مذهبنا فإنه يجوز له النظر إليها ولا يحرم عليه وطؤها، ومتى وطئها كان ذلك رجعة، وإن كانت بائنا فلا سكنى لها بحال، وإنما ذلك على مذهب من ذكرناه، لأن عنده كل موضع يجوز للمطلق أن يسكن مع المطلقة جاز للأجنبي أن يسكن معها، وكل موضع لم يجز للمطلق لم يجز للأجنبي، وعندنا بخلاف ذلك.
إذا طلق زوجته واستحقت السكنى في منزله ثم باع الزوج المنزل فإنها إن كانت معتدة بالأقراء أو بالحمل لم يصح البيع لأن مدة استحقاق البائع مجهولة، واستثناء منفعة مجهولة في البيع لا يجوز، وإن كانت معتدة بالشهور منهم من قال: يبطل البيع أيضا، ومنهم من قال: يصح، وهو الأقرب، لأنه مثل الدار إذا آجرها ثم باعها فإن البيع عندنا لا يفسد الإجارة، هذا إذا لم يكن على الزوج دين.
فأما إذا كان عليه دين، فإن كانت المرأة قد استحقت السكنى ثم حجر عليه، فإن المرأة تكون أحق بالسكنى من الغرماء، لأن حقها يختص بعين الدار، وحقوقهم لا تختص بها، وإن كان قد حجر عليه ثم طلقت المرأة واستحقت السكنى كانت هي أسوة الغرماء لأن حقهم مقدم على حقها، فلم يجز تقديمها عليهم بل سواء بينها وبينهم.
إذا طلقت المرأة وهي في منزل لا يملكه الزوج إما مستعارا أو مستأجرا واتفق انقضاء الإجارة حال الطلاق، فإن رضي صاحب المنزل بإقرارها فيه فعلى الزوج أن يسكنها فيه، وإن لم يرض بذلك أو طلب أكثر من أجرة مثله، لم يجب على الزوج إسكانها في ذلك الموضع، وسقط حق الزوجة من سكنى الدار بعينها، وثبت حقها من السكنى في ذمة الزوج، ثم ينظر: فإن كان موسرا فعليه أن يكتري لها منزلا بقدر سكنى مثلها في أقرب المواضع من الموضع الذي كانت فيه، وإن كان معسرا وعليه ديون فإن الزوجة تستحق السكنى في ذمته، والغرماء يستحقون ديونهم في ذمته، فإن كان طلقها بعد الحجر فإنها تضارب الغرماء بقدر السكنى، وهكذا لو كان المنزل مملوكا للزوج لم تكن أحق بالسكنى فيه، بل تضارب هي والغرماء بقدر حقها من السكنى، وهكذا لو كان الطلاق قبل الحجر ثم حجر عليه، فإن المرأة تضارب الغرماء