فأما إن كان محبوسا بحق بدين عليه، وهو قادر على الخروج منه، فهذا قادر على الفيئة لكنه يمتنع ظلما، فإن عليه أن يقضي الحق ويخرج فإذا لم يفعل فقد ترك فيئة القادر مع القدرة عليه، فيقال: إما أن تقضي الحق وتفئ أو تحملها إليك إلى الحبس أو تطلق، فإن لم يفعل فعلى ما مضى من الخلاف.
وإذا آلى منها وهو غائب صح الإيلاء لعموم الآية، وتكون المدة محسوبة عليه، وهكذا لو آلى وهو حاضر ثم غاب، لأن العذر من جهته، وعلى مذهبنا لا يمكن أن تحسب المدة عليه، لأنا بينا أن المدة تكون من حين الترافع، وهذا لا يتم مع الغيبة إلا إذا بلغ المرأة، فارتفعت إلى الحاكم وضرب لها المدة، فإنه يصح ذلك.
فإذا ثبت أنه يتربص فإذا انقضت المدة حلت عليه المطالبة، فإما أن يوكل في المطالبة عنها فللوكيل مطالبته بالفيئة أو بالطلاق، فإن طلق فقد أوفاها حقها، وإن لم يطلق طولب بالفيئة بحسب القدرة، فإن امتنع كان حكمه ما تقدم، وإن فاء فيئة المعذور قيل له: إما أن تسير إليها فتفئ هناك وإما أن تستدعيها إليك فأيهما فعل جاز، هذا إذا كان الطريق مسلوكا فأما إن كان مخوفا قيل له: عليك المسير متى قدرت عليه.
إذا آلى منها ثم جن فالمدة محسوبة عليه، لأن العذر من جهته في زوجية تامة، فإذا انقضت المدة والجنون بحاله لم يوقف، لأنه غير مكلف، فمتى عاد عقله وقف مكانه، لأنه العذر قد زال.
وإذا آلى ثم أحرم أو أحرم ثم آلى صح الإيلاء واحتسب عليه المدة، لأنه آلى في زوجية تامة، والعذر من جهته، فإذا انقضت وهو على الإحرام طولب فإن طلق فقد وفاها حقها، وإن قال: أنا أفئ، قلنا: لا تسوع لك الفيئة لأنك تفسد العبادة ويجب عليك الكفارة، ثم ينظر: فإن أقدم على الفيئة فقد وفاها حقها، وخرج من الإيلاء، وأفسد الإحرام، وعليه ما يلزمه من الكفارة وفساد الحج والعمرة، وإن قال:
أمهلوني حتى أحل وأفئ الآن فيئة معذور، قلنا: ليس لك ذلك، لأن العذر من جهتك، وليس كذلك المرض، فإنه من جهة الله تعالى، وعندي أنه يقبل منه فيئة