والفصل بين الفيئة والطلاق هو أن اليمين لا ينحل بالطلاق، لأن الحنث لا يقع به، فلهذا كان الإيلاء قائما في من لم يطلقها، وليس كذلك الفيئة لأنه لما وطئ واحدة منهن حنث في يمينه، لأنه منع نفسه عن وطء واحدة شائعة منهن لا بعينها، فأيتهن وطئها كانت التي آلى منها ومنع نفسه عنها، وانحلت اليمين في البواقي، لأنه إذا حنث مرة لم يعد الحنث مرة أخرى فبان الفصل بينهما.
فإن حلف لا وطئ واحدة منهن ثم قال: نويت فلانة، لواحدة بعينها، تعين الإيلاء فيها، وكان القول قوله مع يمينه، لأن اليمين تناولت في الظاهر واحدة منهن لا بعينها، فإذا عينها أمكن ما يقوله، فلهذا قبل منه، وقال قوم: يقبل في الباطن دون الظاهر، والأول أصح عندنا.
فرع:
إن قال: والله لا أقرب كل واحدة منكن، كان موليا عنهن وعن كل واحدة منهن كما لو أفرد كل واحدة باليمين، وتفارق هذا " والله لا أقرب واحدة منكن " لأنه إنما منع نفسه عن وطء واحدة لا بعينها، فلهذا كان موليا عنهن، ولم يكن موليا عن كل واحدة منهن.
فإذا تقرر هذا وأنه مول عن كل واحدة منهن، فإنا نضرب له المدة، فإذا انقضت وقف ليفئ أو يطلق، فلو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، فقد وفي المطلقة حقها من هذه المدة، وكان الإيلاء قائما في البواقي، فإن وطئ انحلت الإيلاء في حق التي وطئها، وكان الإيلاء قائما في التي لم يطأها، لأنه منع نفسه عن وطء كل واحدة منهن نطقا، فلهذا لم ينحل اليمين بوطئ بعضهن.
وليس كذلك إذا قال: لا أقرب واحدة منكن، فوطئ واحدة انحلت اليمين في الكل، لأنه إنما منع نفسه من وطء واحدة لا بعينها، فإذا وطئ واحدة فقد عينها بالوطئ، فانحلت اليمين في البواقي.
ألا ترى أنه لو قال: والله لا كلمت أحد هذين الرجلين، فإذا كلم واحدا منهما حنث، وانحلت اليمين في الثاني، ولو قال: والله لا كلمت كل واحد من هذين