حيث يفهم ان العرش مظهر رحمانيته وايجاده بالوجود العام، وتذكر قوله عليه وآله السلام - ما ورد في الحديث المشهور -: انه يدخل عليه سبحانه في جنة عدن في داره التي يسكن، وأشار به إلى أن جنة عدن مسكنه وهو المشهود في الزور الأعظم، وتذكر حال الفصل القضاء والاتيان لهما في ظلل من الغمام مع ملائكة السماء السابعة، وتذكر تحوله في الصور للأمم حال الاستواء على عرش الفصل والقضاء، وتذكر قوله صلى الله عليه وآله في حديث النار: فيضع الجبار فيها قدمه، وتذكر نزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة - مع تقدسه بذاته من الزمان والمكان والحلول والتغير والحدثان - فكل ذلك بمظاهره المناسبة لكل مقام، وافهم من هذا سر المعية الذاتية الإلهية العامرة كل موطن ومرتبة وعالم ومكان - مع البينونة التامة - فان المعية بالظهور التعيني النسبي لا ينافي البينونة في ذاته الاحدى الاطلاقي كما مر مرارا، هذا شأن الكمل.
280 - 5 واما ما عدا الكمل فهم في الجنة مستقرون لا يفصل شئ منهم خارج الجنة، وإن كان فبنسبة عرضية لا ذاتية، أو باعتبار عدم تحيز أرواحهم دون ان يعلموا ذلك أو يشعروا به، والكمل يعلمون ما منهم خارج الجنة وما فيها منهم، وهم كائنون في كل شئ ومرتبة وعالم بحقائقهم كينونة ذاتية لا عرضية، لا يقدح ذلك في كمال تنزههم وتقدسهم واطلاقهم وامتيازهم الذاتي عن كل شئ - كسيدهم هذا - وان حصل لهم الغفلة عن بعض ما فيهم من العالم أو ما في العالم منهم أو بعض ما يخصهم من الكمالات، فذلك لا يقدح في كمالهم، لان ذهولهم مع كونه من حكم النشأة والموطن والموقف والحال.
281 - 5 ففيه اسرار اخر غامضة جدا، من جملتها: ان الكامل لو استحضر دائما كل شئ لما عدم شئ ولا اختل حال، إذ علمه وحضوره يقضيان بدوام الملحوظات وبقاء نظامها محفوظا، فينسيهم الله استحضار ما يريد ذهابه، فينقطع المدد الإلهي فيزول صورته، كما أن بحضوره في حضرة جامعة بحكم ذوق: كل شئ فيه كل شئ، ينحفظ العالم ويدوم نظامه، فافهم فقد ألمعت لك بالعلم المكنون فاشكر ربك حيث لم يكن بالغيب عليك بضنين.