286 - 5 ثم نقول: وحكم شهود هذا الذائق إذا كان في أول درجات هذا الذوق حكم شهود الحق نفسه موجودا من مرتبة الانسان الكامل بعد ما خلقه واستوى رحمانيته على عرش قلبه حين تحقق بالكمال، حيث يكون الشاهد والمشهود والشهود واحدا كما قال:
فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا * * بأنك مذكور وذكر وذاكر 287 - 5 وكيف لا؟ وهذان الشهودان شهود واحد لكن لاعتبار تغايرهما بنسبتي الحق والانسان الكامل شبه حكم أحدهما بحكم الاخر، وانما قلنا في أول درجاته، لان الكامل بعد عودة الاستهلاك من الحق إلى الخلق للارشاد والتكميل أو الترقي في مراتب الأكملية، لا يبقى له هذا الشهود على صفة الاستهلاك.
288 - 5 ثم نقول: وبين هذه المعرفة بتقابل النسختين والمعرفة الأولى بان الانسان مجموع ما في العالم الذي هو تفصيل صور أسماء الحق كصورة واحدة له، وان العالم مرآة وجوده كما أنه مرآة أحوال العالم، فرقان عظيم، لأن هذه المعرفة مبتنية على ذوق التوحيد الذاتي وقرب الفرائض وعدم تميز المظهر من الظاهر، والمعرفة الأولى كانت مبتنية على التوحيد الوصفي وقرب النوافل وملاحظة المظهرية، سواء اعتبر المحاكاة والمضاهاة بين المظهرين أو بين المظهر والظاهر، وكم بينهما؟
289 - 5 وهذان الفرقان لا يعرفه ذوقا الا من عرف نفسه أولا بان وجوده إضافي وحقيقته النسبة العلمية وحاله الامكان العدمي، وعرف ربه بان له الوجود في الحقيقة وعرف ما أدرك قبل معراج التحليل والوصول إلى الله حال سلوكه وقبل سلوكه فيترك في كل منزل ما اخذه منه، ثم يعرف ثانيا نفسه وربه وكل شئ بعد عودة الاستهلاك من الحق إلى الخلق، اما للارشاد والتكميل بتنبيه الطالب السالك على ما شاهده في الطريق ذاهبا وعائدا، أو للترقي في مراتب الأكملية - ان انفرد بنفسه ولم يلزم الارشاد - فان شأن مثله ان يفرق ذوقا بين حالة الاستهلاك في جلال الله وبين ما قبله وما بعده.