النظر في الصورة لم تلقها شيئا زائدا عليها، ومع ذلك ليست الطبيعة عين ما ظهر ولم تزدد بما ظهر عنها ولم تنتقص.
109 - 5 واما روحك الذي تزعم أنه مدبر لصورتك فالحديث فيه ابسط وسره أشكل وعن كنه ربك لا تسأل، فان جعلت بالك مما نبهتك عليه رأيت العجب العجاب وعرفت السر الذي حير أولي الألباب وهو ان الكيفية الحاصلة بالايجاد تستجلى في المراتب لكن كما هو في علم الحق سبحانه البتة، بل استجلاء متفاوتا بحسب تفاوت علم الناظر في المرتبة بما فيها بالفعل علما نظريا أو شهوديا وبحسب تأثير المرتبة في الناظر (1).
110 - 5 فنقول فيه: إن كان مشهد الناظر، أي مدركة في مرتبة ما من المراتب ومقام من المقامات تنوع الحاصل فيها، فان تعدد الوجود وتكثرة بحسب تعدد المراتب والمقامات، فالناظر منتقل في احكام نسب المرتبة ووجوهها ورقائقها، لا في ذات صاحب المرتبة وحقيقته الحاصل فيها، وان انضاف إلى مشاهدة تنوعه، ادراكه للأحدية التي ترجع إليها احكام تلك الكثرة النسبية، إذ لا كثرة حقيقة في الذات بحيث يرى الأحدية منبعا لاحكام المرتبة والمقام والكيفية الحاصلة من الايجاد من حيثها، لادراكه أحدية الذات الظاهرة فيها وانها مجلاه ومرآته وهو مرآة نسبها ووجوهها ورقائقها، والذات مع أنه مرآة الأحوال إحدى غير متعين في ذاته حال لحوق الأحوال والاحكام، وقد مر في نص الفكوك: ان هذا صورة علم الحق بنفسه، فذلك ادراك تام لكيفية الوجود من حيث انتسابه إلى المظاهر والمراتب.
111 - 5 ثم نقول: مراتب الاستجلاء المشار إليه - أعني استجلاء الوجود الإنساني المتعين بحسب المراتب - مبتدئة من حضرة الجمع والوجود التي هي أول المراتب المنعوتة كما مر إلى القلم واللوح والعرش وما بعده إلى المولدات الثلاثة إلى حين تكون النطفة ووقوعها في الرحم، هكذا على التريب المعلوم شرعا وعقلا مما يدل عليه قوله تعالى: ثم خلقنا النطفة علقة... الآية (14 - المؤمنون)