به نفسه واعتقاد يعول عليه، وكذا في اشغاله وحرفه، فإذا جذبته المناسبة المرتبية رؤية أو سماعا انجذب إلى ما يناسبه، فاختلاف البواعث هو السبب في انتشار الملل والنحل على ما عينه الحق بالرسل والأنبياء وكل مقتدى محق.
86 - 5 فهذه الحيرة شامل الحكم، وأول مزيل لها ترجيح المطلب ثم معرفة طريقه الموصل ثم السبب المحصل ثم المعين في التحصيل ثم معرفة العوائق وكيفية ازالتها، ثم إذا تعينت وزال عنه هذه الحيرة وشرع في الطلب لا يخلو حاله عن أمرين: اما ان يحيط به المطلب المتعين بحيث لا يبقى فضلة يطلب بها المزيد، كما هو حال أهل النحل غالبا، أو مع ركونه يفحص أحيانا عما هو أكثر جدوى مما حصله.
87 - 5 فان وجد ما أقلقه انتقل إلى دائرة المقام الثاني، والكلام فيه كالأول من حيث إنه لا يخلو حاله عن الامرين لا سيما إذا رأى تحزب المتوسطين احزابا وكل منهم يرى أنه المصيب لا غيره، وانه يرى الاحتمال في كل متطرقا والنقوض واردة، فلا يزال حائرا حتى يغلب عليه حكم مقام فيطمئن إليه أو يفتق له الحجاب فيصير من أهل الكشف، وحاله في أول الكشف كحاله فيما تقدم من احتمال الاطمئنان بما حصل أو بقاء علة الطلب، لا سيما إذا نظر إلى قوله تعالى: وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا... الآية (51 - الشورى) فيتنبه ان كل ما اتصل بالحجاب والواسطة فلها فيه حكم فلا يبقى على طهارته أصلية، ويتطرق إليه الاحتمال ولا سيما إذا عرف سر الوقت والموطن والمقام والحال والوصف الغالب وغيرها، وخصوصا إذا تأمل قوله تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل... الآية (9 - الأحقاف) انه عليه السلام لم يجزم لعلمه بان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وان حكم حضرة الذات التي لا يعلم ما يقتضيه ولا ما الذي يتعين من كنه غيبها فيبديه، فيقضى على اخباراته تعالى ولا سيما إذا عرف سر الوقت الواصلة بواسطة مظاهر رسالاته والحاملة اصباع احكام حضرات أسمائه وصفاته.