وحاله ومرتبته، وحيث لا استعداد يفي بالعرض فلا علم ولا هداية، وقصارى الامر ان يكون الحق سمعنا وبصرنا وعقلنا، فان كينونته بحسبنا لا بحسبه، والا فيرى العبد كل مبصر ويسمع كل مسموع سمعه الحق وابصره ويعقل كل ما عقله الحق وعلى نحو ما عقله ومن جملته، بل الاجل من كله عقله ذاته على ما هو عليه ورؤيته لها وسماعه كلامها وكلام غيرها، وهذا غير واقع لمن تحقق بأعلى المراتب، فما الظن بمن دونه؟ فاذن لكل نصيب من الحيرة في الله، ودليله الآيات والأحاديث الدالة مما لا يعلمه الا الله.
93 - 5 الثاني ان الانسان فقير وطالب بالذات ومتوجه إلى ربه من حيث يدرى ومن حيث لا يدرى، فالمتقيد بجهة اعتقادية أو شهودية مستشعر بعنايته ويكون له الرأي عند الفتح، فيضعف هذه الحيرة أو يزول. واما الذي ليس في العالم من كونه عالما رغبة ولا في حضرة الحق مراد معين بل تعدى مراتب الأسماء، فإنه لم يتعين في جهة معنوية أو محسوسة، لشعوره بعدم حصر الحق في شئ ولعدم وقوف همته في غاية من الغايات التي وقف بها المذكورون انفا - وان كانوا على حق - إذ وقفوا بالحق له وفيه، بل أدرك بالفطرة الأصلية بدون تردد ان له مستندا في وجوده، واقبل بقلبه وقالبه بالمواجهة التامة عليه، وجعل حضوره في توجهه إلى ربه على نحو ما يعلم سبحانه نفسه بنفسه في نفسه، لا على نحو ما تعلم نفسه في غيره أو يعلمه غيره، فإنه يصير حاله جامعا بين السفر إلى الله وفيه ومنه، لأنه غير مسافر لنفسه ولا بنفسه ولا في نفسه ولا بحسب علومه الموهوبة أو المكتسبة.
94 - 5 وهذه أول أحوال الحيرة التي يتمناها الأكابر ويرتقون فيها أبد الآباد - دنيا وبرزخا وآخرة - وقد اشهدهم الحق إحاطته بهم من جميع جهاتهم الجلية والخفية، فحصلوا من شهوده في بيداء التيه فكانت حيرتهم منه وبه وفيه.
95 - 5 الثالث ان الوجود المحض ليس مرئيا واعيان الممكنات لا يدرك الا من حيث التصور الذهني، وانه بحسب محاكاة ذهن المتصور لا كما هو عليه في نفس الحق، فما المدرك وما المدرك؟