لأنه إحدى الذات واحدى الصفات وأمره واحد وعلمه بنفسه وبالأشياء علم واحد فلا يصح لديه تردد ولا امكان حكمين مختلفين، بل لا يمكن غير ما هو المعلوم المراد في نفسه، وليس هذا من قبيل الجبر كما يتوهمه أهل العقول الضعيفة، إذ ليس ثمة سوى، فمن الجابر (1)؟
622 - 3 فان توهم متوهم ان العلم هو الجابر إذ لا يمكن وقوع خلاف متعلقه.
623 - 3 قلنا: العلم كاشف لا مؤثر، وتعلقه بالمعلوم انما هو بحسبه، فان توهم متوهم جبرا فليتصوره من المعلوم على نفسه لا على الحق، إذ يستحيل ان يؤثر في ذات الحق شئ، بل يستحيل في التحقيق ان يؤثر شئ فيما يغايره ويضاده من جهة ما يضاده. ولو قيل به (2)، لزم ان يكون الحق مؤثرا في نفسه ومتأثرا وفاعلا وقابلا، وعلم الحق في مشرب التوحيد وعند المحققين من أهل النظر عين ذاته فيكون جابرا ومجبورا، فلم يكن (3) واحدا من جميع الوجوه، فالاختيار الإلهي انما هو بين الجبر والاختيار المفهومين للناس، وانما معلوماته - سواء قدر وجوده أو لم يقدر - مرتسمة (4) في عرصة علمه أزلا وابدا، متعينة بصورة كل شئ على حده مرتبة ترتيبا أزليا لا أكمل منه في نفس الامر - وان خفى ذلك على الأكثرين - فالأولوية بين أمرين يتوهم امكان وجود كل منهما انما هي بالنسبة إلى المتوهم المتردد، واما في نفس الامر فالواقع واجب وما عداه مستحيل الوجود - وان حكم المحجوب بامكانه - هذا ما قاله.
624 - 3 فان قلت: قولنا: متى أحب وكيف شاء مشعر بامكان ان يحب الواقع المعين، ولا يحبه وان يشائه، ولا يشائه وان يشائه بكيفية أخرى، وقد استدل في شرح الفرغاني للقصيدة بقوله تعالى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل - أي ظل التكوين على المكونات - ولو شاء لجعله ساكنا (45 - الفرقان) ولم يمده، على أن الحق لو لم يشأ ايجاد العالم لم يظهر، وكان له ان لا يشاء، فلا يظهر، وتحقيق النفحات لا يناسبه.
625 - 3 قلت: (5) قولهم: ان لم يشأ لم يقع صحيح، وقد وقع في الحديث: ما لم يشأ لم