لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع. فليرفع إليك أمورهم. ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله (1) سبحانه يوم تلقاه. فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم. وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم، وذوي الرقة في السن. ممن لا حيلة له. ولا ينصب للمسألة نفسه. وذلك على الولاة ثقيل. والحق كله ثقيل. وقد تخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم. ووثقوا بصدق موعود الله لهم.
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك. وتجلس لهم مجلسا عاما. فتتواضع فيه لله الذي خلقك. وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع (2). فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع " ثم احتمل الخرق (3) منهم والعي (4).. ونح عنهم الضيق والأنف. يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته. ويوجب لك ثواب طاعته. وأعط ما أعطيت هنيئا. وامنع في إجمال واعتذار ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرته. منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك. ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك. وامض لكل يوم عمله. فإن لكل يوم ما فيه. واجعل لنفسك فيها بينك وبين الله تعالى أفضل تلك المواقيت. واجزل تلك الأقسام. وإن كانت كلها لله. إذا صلحت فيها النية.
وسلمت فيها الرعية. وليكن في خاصة ما تخلص لله به إقامة فرائضه التي هي له خاصة. فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك. ووف ما تقربت به إلى الله سبحانه من ذلك كاملا غير مكلوم ولا منقوص. بالغا من بدنك ما بلغ. وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكن منفرا ولا مضيفا. فإن في الناس من به علة. وله الحاجة، وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجهني إلى اليمن.