حيث وقع.
قال ابن أبي الحديد: نهاه رضي الله عنه أن يتخذ بطانة قد كانوا من قبل بطانة للظلمة. وذلك لأن الظلم وتحسينه قد صار ملكة ثابتة في أنفسهم. فبعيد أن يمكنهم الخلو منها إذ قد صارت كالخلق الغريزي اللازم لتكرارها وصيرورتها عادة. فقد جاءت النصوص في الكتاب والسنة بتحريم معاونة الظلمة ومساعدتهم وتحريم الاستعانة بهم. فإن من استعان بهم كان معينا لهم قال تعالى: (وما كنت متخذ المضلين عضدا) (1)، وقال: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) (2)، ثم يقول الإمام في كتابه:
" والصق بأهل الورع والصدق. ثم رضهم على ألا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله. فإن كثرة الاطراء تحدث الزهو. وتدني من العزة. ولا يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء. فإن في ذلك تزهيدا لأهل الاحسان في الاحسان. وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة. وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه.
واعلم أنه ليس شئ بأدعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم. وتخفيفه المؤونات عليهم. وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم. فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك. فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا. وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده... واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض. ولا غنى ببعضها عن بعض. فمنها جنود الله. ومنها كتاب العامة والخاصة. ومنها قضاة العدل. ومنها عمال الإنصاف والرفق. ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس.
ومنها التجار وأهل الصناعات. ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة. وكل قد سمى الله له سهمه. ووضع على حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله عهدا منه عندنا محفوظا.
فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن.